اقتصاد / صحيفة الخليج

.. بيئة مناسبة لحوكمة الشركات

علياء الملا *

افتتحت المحاكم الإماراتية فصلاً جديداً ومهماً في تاريخ حوكمة الشركات، عبر حكم تاريخي أصدرته محكمة التمييز بدبي، والذي ألزم شركة ذات مسؤولية محدودة ومديريها بالتضامن في أموالهم الخاصة بسداد مبالغ تقارب ال 28 مليون درهم، نظير حجب أرباح مستحقة لأحد الشركاء.

هذا الحكم الذي يُعتبر تحولاً نوعياً في مسؤولية المديرين في الشركات، يفتح أبواباً جديدة حول حدود الحماية التي توفرها الكيانات القانونية، ويعيد تعريف المسؤولية الإدارية في الشركات ذات المسؤولية المحدودة، والتي طالما اعتُبرت حصناً آمناً، يقي المديرين من المسؤولية الشخصية عن ديون الشركة.

حجب التوزيعات

القضية التي نحن بصددها تمتد جذورها إلى عام 2003، وبدأت عندما امتنع المديرون في شركة ذات مسؤولية محدودة عن عقد الجمعيات العمومية السنوية، وبالتالي لم تُصدر قرارات بتوزيع أرباح، رغم تحقيق الشركة لأرباح. هذا الإخفاق الإداري استمر لما يقارب العشرين عاماً، مما حدا بأحد الشركاء - مالكاً لنسبة 34% من الحصص في الشركة - للتوجه نحو القضاء مطالباً بحقوقه المالية.

أمام هذا الإخلال الجسيم، لجأ هذا الشريك إلى القضاء مطالباً بتعيين خبير مالي لفحص الحسابات، وتحديد ما يستحقه من أرباح، وقد أيّد تقرير الخبرة مطالب الشريك بشكل واضح، وخلص إلى أن الشركة مدينة له بمبلغ يزيد على 28 مليون درهم.

رفع الغطاء عن المديرين

الحكم الذي أصدرته محكمة أول درجة، أبدى رؤية ثاقبة، إذ لم يكتفِ بتأكيد الحقوق المالية للشريك، بل ذهب الحكم إلى أبعد من ذلك، حين قرر اختراق ما يعرف ب«الحجاب المؤسسي» وألقى مسؤولية مالية مباشرة على مديري الشركة أنفسهم. محكمة التمييز في دبي استندت في حكمها إلى نصوص قانون الشركات، مشددة على أن الواجبات القانونية المفروضة على المديرين، تشمل عقد الجمعيات العمومية السنوية، وإعداد القوائم المالية الدقيقة، وتقديم مقترحات واضحة لتوزيع الأرباح، وأن تقصير المديرين في هذه الواجبات لا يقتصر أثره على المسؤولية الإدارية فقط، بل يمتد ليشمل المسؤولية الشخصية.

وفي حيثياته، استند الحكم إلى نصوص قانون الشركات، لا سيما المادة 87 من قانون الشركات الاتحادي رقم 32 لسنة 2021، التي تلزم المديرين بإعداد وعرض الميزانية وتقارير الأرباح والخسائر على الشركاء، خلال الأشهر الثلاثة التالية لانتهاء السنة المالية، والتوصية بشأن توزيع الأرباح. تقاعس المديرين عن هذه الالتزامات، اعتبر إخلالاً مباشراً بحقوق الشركاء.

أحد الجوانب التي استند إليها القضاء، هي التقارير المالية التي قدمتها لجنة خبراء مختصة، ووثّقت بوضوح الأرباح التي تم احتجازها، وعدم توزيعها. استند القضاء لهذه التقارير المهنية الدقيقة ليوضح أن الأرباح المحتجزة لم تكن ظروف تجارية استثنائية أو قرارات استثمارية مبررة، بل كانت نتيجة تقصير إداري واضح.

سلسلة من الطعون

حاول المديرون التملص من المسؤولية عبر سلسلة من الطعون، أمام محكمتي الاستئناف والتمييز، مستندين إلى مبدأ استقلال الذمة المالية للشركة، وإلى دفوع شكلية مثل عدم توافر الصفة القانونية في بعض المطالبات. إلا أن هذه المحاولات قوبلت برفض قاطع من المحاكم العليا، التي أيدت الحكم الابتدائي، وكرّست مبدأ أن المسؤولية القانونية لا تتوقف عند حدود الشخصية الاعتبارية متى ثبت الإهمال أو التجاوز.

وأضافت المحكمة مؤكدة مسؤولية المديرين بقولها: «الثابت أن المديرين لم يقوموا بما أوجبه عليهم عقد الشركة من توزيع الأرباح إلى مستحقيها من الشركاء، ومن ثم يكونون قد قصّروا وأخطأوا في القيام بواجبهم الذي أملاه عليهم القانون..».

وأكدت محكمة التمييز أن الحماية القانونية، التي توفرها الشركات ذات المسؤولية المحدودة، لا تمنح غطاءً مطلقاً للمديرين، وأن عليهم واجبات قانونية محددة، وأن الإخلال بها يجعلهم مسؤولين مسؤولية شخصية.

درس في الحوكمة

هذه السابقة القضائية، تفتح فصلاً جديداً في مبادئ حوكمة الشركات في ، فقد كان من المألوف اعتبار أن غياب الجمعية العمومية مسألة شكلية يمكن تجاوزها، ولكن هذا الحكم بيّن أن إغفال هذه الإجراءات، يُعدّ حرماناً فعلياً للشركاء من حقوقهم المالية والإدارية. وفي هذا الصدد، أكدت المحكمة على أنه «لا يجوز حرمان الشريك بأي حال من الأحوال من الحصول على حصته في الأرباح، متى كانت الشركة حققت أرباحاً، باعتبار أن حقه هذا هو من الحقوق الأساسية، التي متى تحققت ثبت حق الشريك فيها، بما لا يجوز معه لأي جهة المساس به.».

أهمية هذا الحكم تتجاوز حدود القضية الفردية، فهو يمثل سابقة قضائية قوية ورسالة واضحة لجميع المديرين والشركات في الإمارات. الرسالة مفادها أن الحوكمة ليست مجرد شكليات أو إجراءات إدارية ثانوية، بل هي مكون رئيسي لسلامة الشركات واستدامتها. فمديرو الشركات، وفقاً لهذا الحكم، مطالبون بوعي كامل لمسؤولياتهم، خصوصاً ما يتعلق بحقوق الشركاء المالية.

إلى أين تتجه الشركات؟

مع دخول هذا الحكم مرحلة التنفيذ، يصبح من الواضح أن بيئة الأعمال في الإمارات تتجه نحو تعزيز معايير الحوكمة والشفافية. لقد ولّى زمن الحصانة المطلقة للمديرين، وحلّ محله عصر جديد من المساءلة الشخصية المستندة إلى الإخلال الفعلي بالواجبات القانونية.

هكذا يعيد القضاء رسم خريطة طريق واضحة المعالم لجميع الشركات العاملة في الإمارات، فارضاً معايير جديدة للحوكمة، تتماشى مع الممارسات الدولية السليمة.

الخاتمة

إن حكم محكمة التمييز ليس مجرد حكم مالي، بل هو إنذار قضائي حاسم لكل من يعتقد أن الحوكمة خيار لا التزام. لقد صاغت المحكمة معياراً جديداً، مفاده أن حقوق الشركاء لا تسقط بالإهمال، وأن المسؤولية لا يمكن أن تُدار من خلف ستار الشركات.

* مكتب حبيب الملا ومشاركوه

ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة صحيفة الخليج ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من صحيفة الخليج ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.

قد تقرأ أيضا