أحمد بن سليّم*
تتجاوز أهمية صناعة الماس العالمية رموزها الثقافية وقيمتها التكنولوجية، فهي تشكل قوة اقتصادية ضخمة تؤثر بشكل مباشر في معيشة ملايين البشر حول العالم. وغالباً ما يتم تجاهل هذا التأثير الإنساني الهائل، عند التقليل من قيمة الصناعة بشكل سطحي، على سبيل المثال، تُعد الهند مركزاً رئيسياً لقطع وصقل نحو 90% من الماس في العالم، حيث يوفر هذا القطاع فرص عمل لمئات الآلاف من العمال المهرة في مدينتي سورات ومومباي، مما يسهم في دعم الاستقرار الاقتصادي والرفاهية لمجتمعات بأكملها.
وعلى صعيد أوسع، تعتمد دول إفريقية مثل بوتسوانا وناميبيا وأنغولا وجمهورية الكونغو الديمقراطية وزيمبابوي، بشكل كبير على عائدات الماس كمصدر أساسي للتنمية، فهذه العائدات تُستخدم في تمويل مشاريع البنية التحتية وبناء المدارس وتوفير الرعاية الصحية، ما يسهم في تحسين مستويات المعيشة وتحفيز النمو الاقتصادي في بعض من أكثر المناطق احتياجاً في العالم، في بوتسوانا تحديداً، يشكّل الماس ما يقارب 80% من إجمالي الصادرات ويسهم بأكثر من ثلث الإيرادات الحكومية، مما يجعله العمود الفقري للاقتصاد الوطني. وبالتالي، فإن التقليل من قيمة الماس لا يعني فقط تجاهل واقع اقتصادي ملموس، بل هو أيضاً إنكار لأثره المباشر على معيشة ملايين الأفراد في القارة الإفريقية وشبه القارة الهندية.
يتجاوز تأثير صناعة الماس حدود التعدين والقطع، ليمتد إلى المرحلة النهائية، التي تشمل تصميم المجوهرات وتصنيعها وتوزيعها وبيعها بالتجزئة وهي مرحلة حيوية تؤثر في حياة عدد لا يُحصى من الأفراد حول العالم، من الحرفيين المبدعين إلى المتخصصين في المبيعات والخبراء في سلاسل التوريد واللوجستيات، يعتمد هذا القطاع على شبكة واسعة من الكفاءات والمهارات، مما يعزز روح الريادة ويخلق فرصاً اقتصادية متعددة. وهنا، في هذه المرحلة التي يلتقي فيها الإبداع بالحلم، ويصل فيها الماس إلى المستهلك، تتجلى أهمية إدارة متكاملة وفعالة لسلسلة التوريد العالمية وفي قلب هذا المشهد النابض، تبرز دبي كمركز رئيسي لصناعة الماس العالمية.
دبي مركز عالمي للماس
إلى جانب بورصة دبي للماس، تُعدّ دولة الإمارات العربية المتحدة ودبي على وجه الخصوص، ركيزة أساسية في صناعة الماس العالمية، حيث تجاوز دورها حدود التجارة ليشمل مجالات الرقابة والتطوير والتوثيق والمشاركة في الحوار الدولي ويُجسّد ترؤس دولة الإمارات لعملية كيمبرلي للمرة الثانية هذا الدور المحوري، إذ تقود جهوداً فاعلة، ضمن هذه المبادرة المعتمدة من الأمم المتحدة والتي تُعدّ الإنجاز الأبرز في التصدي لتجارة الماس المرتبط بالنزاعات.
وفي قلب هذا المشهد، تبرز منطقة أعمال مركز دبي للسلع المتعددة، التي تحتضن برج الماس المكوّن من 68 طابقاً، الذي يعتبر أطول برج مخصص للماس في العالم وهو اللقب الذي تواصل دبي الاحتفاظ به منذ 16 عاماً وتتمتع المنطقة ببنية تحتية متقدمة ومتكاملة، صُممت خصيصاً لتلبية احتياجات قطاع الماس، وتستقطب بشكل دائم مجموعة واسعة من أبرز اللاعبين في الصناعة، مما يعزز من مكانة دبي كمركز عالمي مرموق في هذا المجال.
وتُعد منطقة الأعمال في مركز دبي للسلع المتعددة، مقراً لعدد من المؤسسات العالمية الرائدة في صناعة الماس، من بينها المعهد الدولي للأحجار الكريمة (IGI) والمعهد الأمريكي لعلوم الأحجار الكريمة ((GIA والأخير يشغل طابقين كاملين في برج أبتاون، ما يعكس مكانة المنطقة كمركز متكامل للخبرات والابتكار في هذا القطاع.
وباعتباره منصة ديناميكية للتواصل وتبادل المعرفة، يواصل مركز دبي للسلع المتعددة استضافة مجموعة من أبرز الفعاليات المتخصصة، مثل ندوة الماس المصنع مخبرياً (LGD Symposium)، واجتماعات عملية كيمبرلي (KP Plenary) المقررة لاحقاً هذا العام. كما يستعد المركز لاستضافة النسخة السابعة من مؤتمر دبي للماس في عام 2026، والذي يجمع نخبة من أبرز قادة القطاع، من ضمنهم آل كوك، الرئيس التنفيذي لمجموعة دي بيرز، ووينستون تشيتاندو، وزير المناجم والتنمية التعدينية في زيمبابوي.
وإلى جانب ذلك، يُعد مركز دبي للسلع المتعددة وجهة أساسية للعديد من المؤسسات العالمية المؤثرة في القطاع، مثل مجلس الماس العالمي والاتحاد العالمي لبورصات الماس، ما يعزز من دور دبي كمركز قيادي على مستوى الصناعة العالمية.
استمراراً لنجاحها العالمي كمركز رئيسي لتجارة الماس الخام، بعد أن تجاوزت مدينة أنتويرب منذ عدة سنوات، تسعى دبي الآن بنشاط لاحتلال الصدارة أيضاً في تجارة الماس المصقول وشملت إنجازاتها الأخيرة مزاد رابابورت، الذي بلغ حجمه 50,000 قيراط وإطلاق شركة داماني مجموعتها الحصرية من الماس «قطع دبي»، بالإضافة إلى عرض أحجار نادرة بقيم مالية بملايين الدولارات، من قبل عمالقة عالميين مثل دار سوذبيز.
الحقائق مقابل الآراء
حين يُعلن رأي على الملأ، خاصةً من قبل شخصية ذات تأثير ويتجاهل الحقائق المثبتة التي تمس حياة ملايين الناس وتؤثر في الاقتصاد الوطني لدول بأكملها، لا يصبح هذا الرأي مجرد وجهة نظر شخصية بل تصريحاً يستدعي التصحيح والتفنيد، بعد اجتماع رؤساء الاتحاد العالمي لبورصات الماس مؤخراً، تذكرتُ قول مارتن رابابورت: «الماس هو مخزن للقيمة، قد لا يكون استثماراً مثالياً الآن، لكنني أؤمن بأنه سيصبح استثماراً استثنائياً عندما تتوفر له أسواق كافية» كونه شخصاً أعتبره صديقاً للمستهلك، أؤكد أن منصة رابابورت (RapNet)، تُعد أداة مهمة توضح القيمة الحقيقية للألماس، قبل أن تضيف علامات المجوهرات الفاخرة هوامش الربح الخاصة بها وهو دليل آخر على أهمية القصص التي تُروى لجذب المستهلكين.
في نهاية المطاف، قيمة الماس حقيقية وملموسة ولها أثر عميق وبفضل الرؤية الحكيمة للقيادية الرشيدة في دبي، أصبحت قيمة الماس جزءاً لا يتجزأ من الإرث المستدام للإمارة.
* الرئيس التنفيذي الأول والمدير التنفيذي لمركز دبي للسلع المتعددة
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة صحيفة الخليج ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من صحيفة الخليج ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.