اقتصاد / صحيفة الخليج

الذكاء الاصطناعي يصوغ استراتيجيات تنظيمية حديثة للمؤسسات

إعداد: أحمد البشير 

لم يعد الذكاء الاصطناعي (AI) خياراً تكميلياً للشركات والمؤسسات، بل أصبح أحد الأعمدة الأساسية في صياغة الاستراتيجيات التنظيمية الحديثة.

وفي ظل التحولات الاقتصادية السريعة والمنافسة العالمية الشديدة، أدركت المؤسسات الكبيرة أن الاعتماد على الذكاء الاصطناعي لم يعد رفاهية، بل ضرورة لتحقيق الكفاءة التشغيلية، وتعزيز الابتكار، ورفع القدرة على التكيف مع التغيرات المستمرة في الأسواق. وفي هذا الموضوع، نستعرض بشكل موسع كيف أصبح الذكاء الاصطناعي جزءاً لا يتجزأ من الاستراتيجية التنظيمية، مع تقديم أمثلة عملية ونصائح تساعد المؤسسات على تبنّي هذا التحول بفاعلية.

أولاً: دوره في تطوير الاستراتيجيات

1.تعزيز اتخاذ القرار المبني على البيانات:

لم يعد اتخاذ القرار في المؤسسات الكبرى يعتمد فقط على خبرة المديرين أو التوقعات السوقية فحسب، بل أصبح قائماً على تحليلات البيانات الضخمة التي يوفرها الذكاء الاصطناعي. وباستخدام خوارزميات التعلم الآلي والتحليلات التنبئيّة، يمكن للإدارة التنبؤ بسلوك المستهلكين، وتقلبات السوق، والمخاطر المحتملة قبل وقوعها. وعلى سبيل المثال، أصبحت شركات البيع بالتجزئة الكبرى قادرة على تحديد المنتجات الأكثر طلباً، خلال المواسم المختلفة، بناءً على بيانات الشراء السابقة وتحليل الاتجاهات الاجتماعية. وهذا النوع من التحليل يحوّل عملية صنع القرار من تقديرات عامة إلى قرارات دقيقة وسريعة، تسهم في زيادة الأرباح وتقليل المخاطر.

2. رفع كفاءة العمليات وتقليل التكاليف:

إن أحد أبرز فوائد دمج الذكاء الاصطناعي في الاستراتيجية التنظيمية، هو تحسين الكفاءة التشغيلية، فالكثير من العمليات الروتينية والمستهلكة للوقت مثل إدارة المخزون، وخدمة العملاء، وجدولة الموارد، يمكن أتمتتها باستخدام أنظمة ذكية. وعلى سبيل المثال، تعتمد بعض شركات الطيران على خوارزميات الذكاء الاصطناعي لإعادة جدولة الرحلات تلقائياً، عند حدوث تأخيرات أو إلغاءات، ما يوفر الوقت، ويقلل التكاليف التشغيلية. كما أن أتمتة هذه العمليات تقلل من نسبة الأخطاء البشرية، وتسمح للموظفين بالتركيز على المهام الإبداعية والاستراتيجية بدلًا من المهام الروتينية.

3. الابتكار وتطوير منتجات وخدمات جديدة:

إن الذكاء الاصطناعي لا يخدم فقط الكفاءة الداخلية فحسب، بل يفتح أبواباً واسعة أمام الابتكار المؤسسي، من خلال تحليل بيانات العملاء واتجاهات السوق، يمكن للشركات ابتكار منتجات وخدمات جديدة تلبي احتياجات محددة لم تكن ظاهرة سابقاً. وعلى سبيل المثال، اعتمدت شركات التكنولوجيا المالية (Fintech) على خوارزميات الذكاء الاصطناعي، لتطوير مصرفية ذكية تقدم حلولاً شخصية للمستخدمين مثل إدارة المصروفات، أو اقتراح خطط ادخارية بناءً على سلوك الإنفاق. هذا النوع من الابتكار يعزز تنافسية الشركات ويرسخ ولاء العملاء.

4. إدارة المخاطر والاستجابة للأزمات:

يلعب الذكاء الاصطناعي دوراً حاسماً في التنبؤ بالمخاطر وإدارة الأزمات. وعلى سبيل المثال، يمكنه التنبؤ بتقلبات أسعار المواد الخام أو العملات، ومراقبة شبكات التوريد العالمية للتنبؤ بأي انقطاعات محتملة قبل حدوثها. وفي فترة الجائحة، استفادت العديد من الشركات الصناعية من أدوات تحليل البيانات الذكية لإعادة تصميم سلاسل التوريد، وتجنب الانقطاع في العمليات الإنتاجية. وهذه القدرة على استشراف التحديات تمنح المؤسسات مرونة عالية وتقلل الخسائر المحتملة.

ثانيًا: تطبيقات عملية في المؤسسات

1. إدارة الموارد البشرية الذكية:

أصبحت أنظمة الذكاء الاصطناعي قادرة على تحليل السير الذاتية، واختيار المرشحين الأمثل بسرعة وكفاءة أعلى من الطرق التقليدية، إضافة إلى التنبؤ بمستوى التوافق الثقافي للموظف مع بيئة الشركة، كما يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي لمتابعة رضا الموظفين، عبر استبيانات ذكية وتحليل مستويات الأداء.

2. التسويق الموجّه وتحليل العملاء:

من خلال تحليل تفاعلات العملاء، عبر الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، يمكن للذكاء الاصطناعي تحديد المنتجات الأكثر جذباً وإنشاء حملات تسويقية مخصصة لكل فئة من العملاء. شركات مثل «أمازون» و«نتفلكس»، تعد مثالاً واضحاً على قوة التسويق الذكي، إذ تقترح المنتجات والأفلام بناءً على أنماط سلوك المستخدم.

3.تحسين إدارة سلاسل التوريد:

في قطاع اللوجستيات، يستخدم الذكاء الاصطناعي في توقع الطلب على المنتجات، وتحديد الطرق الأكثر كفاءة للشحن والتوزيع، ما يقلل التكاليف ويرفع مستوى خدمة العملاء، كما يمكنه التنبؤ بالمشاكل قبل حدوثها مثل تأخير الشحنات أو نقص المواد الخام.

ثالثًا: نصائح لدمجه في الاستراتيجية التنظيمية

1. ابدأ بمشاريع صغيرة ذات أثر قابل للقياس:

ينصح بأن تبدأ المؤسسة بمشروعات تجريبية، مثل تطوير نظام آلي أو لوحات متابعة تحليلات المبيعات، قبل تعميم التقنية على جميع العمليات.

2. استثمر في البيانات قبل التكنولوجيا:

إن نجاح أي نظام ذكاء اصطناعي، يعتمد على جودة البيانات ودقتها، لذا يجب إنشاء بنية تحتية قوية لإدارة البيانات وضمان نظافتها وأمنها، قبل إطلاق أنظمة الذكاء الاصطناعي.

3. تدريب الموظفين على التعايش مع التقنية:

الذكاء الاصطناعي لا يُلغي دور البشر بل يكمله. يجب تدريب الموظفين على كيفية التعاون مع الأدوات الذكية، وتطوير مهارات تحليل البيانات واتخاذ القرار بناءً على المعلومات التي توفرها الأنظمة الذكية.

4. وضع إطار للحوكمة والأمن السيبراني:

مع توسع استخدام الذكاء الاصطناعي، يجب أن تهتم المؤسسات ب حماية البيانات والامتثال للقوانين المحلية والدولية، لتجنب المخاطر القانونية والأمنية.

5. قياس الأداء وتحسين الاستراتيجية باستمرار:

إن التقنيات الحديثة تتطلب تقييماً مستمراً لمؤشرات الأداء، سواء من حيث الكفاءة التشغيلية أو العائد على الاستثمار، لضمان الحصول على أقصى فائدة من الذكاء الاصطناعي.

إن دمج الذكاء الاصطناعي في الاستراتيجية التنظيمية، يمثل قفزة نوعية نحو المستقبل، حيث تصبح المؤسسات أكثر قدرة على الابتكار والتكيف مع التحولات المتسارعة في بيئة الأعمال. إن الشركات التي تبادر إلى هذا التحول اليوم ستتمتع بميزة تنافسية قوية، في حين أن المؤسسات التي تتردد، قد تجد نفسها متأخرة في سباق المنافسة، خلال سنوات قليلة.

الذكاء الاصطناعي ليس مجرد أداة تقنية، بل شريك استراتيجي يقود المؤسسات نحو عصر الإدارة الذكية المستدامة.

ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة صحيفة الخليج ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من صحيفة الخليج ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.

قد تقرأ أيضا