اقتصاد / ارقام

السباق الأخضر المحموم: هل تُصبح كنوز إفريقيا المعدنية وقود نهضتها أم لعنة عليها؟

  • 1/2
  • 2/2

- في قلب الثورة الخضراء التي تعيد رسم خريطة العالمية، ثمة نهم جائع لا يرتوي، وطلب عالمي محموم على مجموعة من المعادن التي أصبحت تُعرف بـ "ذهب القرن الحادي والعشرين".

 

- لم تعد هذه العناصر، من الليثيوم والكوبالت إلى النحاس والمنجنيز، مجرد مواد خام، بل هي الدم الذي يجري في عروق الحضارة المستدامة، والوقود الذي يغذي توربينات الرياح العملاقة، ويشحن بطاريات أسطول السيارات الكهربائية، ويشكّل خلايا الطاقة الشمسية التي ستضيء مستقبلنا.

 

- تكشف وكالة الطاقة الدولية في أحدث توقعاتها عن حجم هذا السباق العالمي؛ فمن المتوقع أن يتضاعف الطلب على الليثيوم 5 مرات بحلول عام 2040، بينما سيتضاعف الطلب على الكوبالت، وسيرتفع الطلب على النحاس بنسبة 30%.

 

- وفي خضم هذا الصراع على الموارد، تتجه الأنظار جنوبًا، نحو القارة الإفريقية، التي تجلس على عرش ما يقرب من 30% من احتياطيات العالم من هذه الكنوز المعدنية.

 

- تمنح هذه الثروة الجيولوجية الهائلة منطقة جنوب القارة الإفريقية فرصة تاريخية، ليس فقط للعب دور محوري في سلاسل الإمداد العالمية، بل للانتقال من هامش الاقتصاد العالمي إلى قلبه النابض.

 

مفارقة الوفرة: كنوز حبيسة تحت الأرض وفرص تنتظر التمويل

 

 

- على الرغم من هذه الإمكانات الجيولوجية الهائلة، تقف منطقة جنوب إفريقيا أمام مفارقة مؤلمة تُعرف بـ "لعنة الموارد".

 

للاطلاع على المزيد من المواضيع والتقارير في صفحة مختارات أرقام

 

- فالكنوز هائلة وحبيسة في باطن الأرض، والفرص الذهبية تنتظر من يطلق سراحها، لكن يكشف الواقع عن فجوة عميقة بين الإمكانات الكامنة والاستغلال الفعلي.

 

- فبينما تُصنف المنطقة ضمن أكبر 3 مراكز توريد عالمية لمعظم المواد الحرجة، إلا أن إنتاجها لم يواكب حجم ثرواتها الدفينة.

 

- يعود هذا القصور إلى مجموعة من العوامل المعقدة، أبرزها محدودية الاستثمار، والتردد في ضخ رؤوس الأموال، والفجوات الهائلة في البنية التحتية التي تجعل من استخراج ونقل هذه المعادن مهمة شاقة ومكلفة.

 

- ويكشف تحليل أجرته شركة "ماكينزي" عن حجم هذه الفرصة الضائعة: هناك خط أنابيب لمشاريع المعادن النادرة في المنطقة بقيمة تتجاوز 9 مليارات دولار، لكن لم تتمكن سوى أقل من 10% فقط من هذه المشاريع من تأمين التمويل اللازم للانتقال إلى مراحل التنفيذ. ومن بين أكثر من 60 مشروعًا تم تحديدها، يُعتبر أقل من ربعها فقط "مؤكدًا" أو "مرجحًا".

 

- لا يعكس هذا الرقم حذر المستثمرين الشديد فحسب، بل يكشف أيضًا عن الضبابية التي تكتنف المشهد التنظيمي والسياسي في المنطقة، مما يجعل المستثمر يفكر ألف مرة قبل المخاطرة بأمواله.

 

- وبدون استثمارات ضخمة لتقليل المخاطر عن المشاريع، وبناء قدرات التكرير والمعالجة الوسيطة، فإن المنطقة تخاطر بتفويت فرصة تاريخية، وتكرار مأساة تصدير المواد الخام بأبخس الأثمان، واستيرادها كمنتجات نهائية بأغلى الأسعار.

 

مفتاح الخزائن: التكامل الإقليمي كطوق نجاة

 

- تتطلب معالجة هذه الاختناقات العميقة في التمويل والبنية التحتية رؤية استراتيجية تتجاوز الحدود الوطنية الضيقة، وتتبنى التعاون الإقليمي القوي كحجر زاوية للخروج من هذا المأزق.

 

- فالضبابية التنظيمية، والبنية التحتية المتدهورة، والسياسات التجارية غير المنسقة، تخلق بيئة طاردة للمستثمرين، بينما تواجه الدول الغنية بالمعادن تحديات لوجستية وتكاليف نقل باهظة تقضي على قدرتها التنافسية.

 

يمكن للتكامل الإقليمي أن يغير هذه المعادلة بالكامل من خلال 3 محاور رئيسية:

 

1- لغة استثمارية واحدة: بناء الثقة عبر توحيد القوانين. إن مواءمة الأطر التنظيمية، وتنسيق عمليات الترخيص، واعتماد معايير مشتركة في المجالات البيئية والاجتماعية والحوكمة، من شأنه أن يرسل رسالة واضحة ومطمئنة للمستثمرين الدوليين، ويجعل المنطقة ككتلة واحدة أكثر جاذبية للاستثمارات طويلة الأمد.

 

2- شرايين الحياة: من السكك الحديدية إلى شبكات الطاقة. بدلًا من أن تبني كل دولة بنيتها التحتية بمعزل عن الأخرى، يمكن لتخطيط وبناء شرايين لوجستية متكاملة من سكك حديدية وموانئ وشبكات طاقة مشتركة أن يحقق وفورات هائلة في التكاليف، ويحسن الوصول إلى الأسواق العالمية، ويفتح الباب أمام قيام صناعات إقليمية متكاملة.

 

3- إزالة الحواجز: نحو سوق إقليمية موحدة. من شأن السياسات التجارية، وإزالة الحواجز الجمركية، أن يفتح الأبواب أمام تدفق أكثر سلاسة للسلع والخدمات ورأس المال بين دول المنطقة، مما يعزز التجارة البينية ويخلق سوقًا أكبر وأكثر حيوية.

 

- غني عن القول إن مثل هذا النهج التعاوني لن يسهل الاستثمار فحسب، بل سيمكّن دول المنطقة من الاندماج بشكل أفضل في سلاسل القيمة العالمية، والانتقال من دور المورّد الخام إلى دور الشريك الصناعي.

 

- هذا يعني التقاط قيمة أكبر من الموارد المعدنية عبر عمليات المعالجة والتصنيع والتطوير الصناعي المحلي، مما يخلق وظائف لائقة، ويُدر إيرادات مستدامة، ويدعم مستقبلًا اقتصاديًا أكثر شمولًا وازدهارًا للمنطقة بأسرها.

 

المعركة على المستقبل: بين التنمية المستدامة ونهب الثروات

 

 

- إدراكًا لهذه الفرصة الهائلة، بدأت التحركات الدولية تتسارع. فقد أطلق المنتدى الاقتصادي العالمي، بالشراكة مع "ماكينزي وشركاه"، مبادرة "تأمين المعادن من أجل تحول الطاقة" (SMET).

 

- ويهدف هذا التحالف الدولي، بالتعاون مع بنك التنمية لجنوب إفريقيا، إلى جمع الحكومات وشركاء الصناعة والتمويل والتنمية على طاولة واحدة، لدفع العمل المنسق وترجمة الطموحات إلى واقع ملموس.

 

- لكن خلف هذه المبادرات الإيجابية، تكمن مخاوف مشروعة من تكرار تاريخ مؤلم. فهل سيكون هذا "السباق الأخضر" مجرد نسخة جديدة من "السباق على إفريقيا" في القرن التاسع عشر، حيث تتنافس القوى العالمية على نهب ثروات القارة دون أن يعود ذلك بالنفع الحقيقي على شعوبها؟

 

- إن ضمان عدم تكرار هذا السيناريو يتطلب شروطًا صارمة: أولًا، الالتزام المطلق بالمعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة لضمان ألا تتحول عمليات التعدين إلى كارثة على المجتمعات المحلية والبيئة الهشة.

 

- وثانيًا، وهو الأهم، وجود أنظمة حكم رشيد وشفافية مطلقة داخل الدول الإفريقية نفسها، لضمان استخدام عائدات هذه الثروة في بناء المستشفيات والمدارس والبنية التحتية، لا في ملء جيوب الفاسدين.

 

خاتمة: قصة يكتبها أهلها

 

- تقف القارة الإفريقية اليوم على عتبة لحظة تاريخية فارقة؛ فإما أن تصبح كنوزها المعدنية وقودًا لنهضة اقتصادية شاملة، تجعلها شريكًا لا غنى عنه في مستقبل الطاقة العالمي، وإما أن تظل مجرد مؤجل ولعنة موارد متجددة.

 

- قد يُكتب مستقبل الطاقة النظيفة في العالم بحروف من معادن إفريقيا، لكن قصة ازدهار القارة وترقي شعوبها لن يكتبها إلا أهلها، من خلال التحلي بالحكمة في إدارة الموارد، والشجاعة في المطالبة بالحقوق، وامتلاك الإرادة لبناء مستقبل يليق بثرواتهم وطموحاتهم.

 

المصدر: المنتدى الاقتصادي العالمي

ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة ارقام ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من ارقام ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.

قد تقرأ أيضا