إعداد: أحمد البشير
لأعوام طويلة ارتبط اسم الصين عالمياً بصورة سلبية لا تفارقها: بلد الصادرات الرخيصة، والرقابة المشددة، والدولة الغامضة المحاطة بالشكوك. لكن هذه الصورة بدأت تتغير بشكل متسارع مع صعود القوة الناعمة الصينية، حيث تلعب الشركات المحلية دوراً محورياً في تقديم وجه جديد لبكين على الساحة الدولية.
في نيويورك، تنتشر المقاهي الصينية، وفي الأسواق العالمية تحقق ألعاب الفيديو الصينية إيرادات بمليارات الدولارات، وحتى مستحضرات التجميل المعروفة باسم «سي-بيوتي» تغزو الأسواق العالمية. غير أن أكثر ما يثير الدهشة في صعود الصين الثقافي لم يكن سيارة طائرة أو نموذج ذكاء اصطناعي ثورياً أو لعبة إلكترونية ناجحة، بل كان لعبة صغيرة محشوة بالقطن.
هذه اللعبة هي «لابوبو»، الدمية الشهيرة من شركة «بوب مارت»، التي تحولت إلى أيقونة عالمية بفضل تصميمها الغريب «القبيح اللطيف» وسعرها البالغ 30 دولاراً. شوهدت الدمية على حقائب نجمات عالميات مثل ريهانا ونجمة فرقة «بلاكبينك ليسا»، وجذبت مئات الآلاف من المعجبين حول العالم. وقبل أسابيع فقط، افتتحت الشركة أول متجر لها في ألمانيا، لينضم إلى شبكة تضم أكثر من 500 متجر عالمي.
نجاح «بوب مارت»
إن النجاح الكبير لبوب مارت يستند إلى فكرة الصناديق العمياء (Blind Boxes)، حيث تُباع المنتجات داخل علب مغلقة لا يعرف المشتري ما بداخلها حتى يفتحها، ما يجعل التجربة شبيهة بالمقامرة الصغيرة ويعزز شغف الشراء. وهذا النموذج رفع أرباح الشركة بشكل هائل، إذ توقعت نمواً في أرباح النصف الأول من العام بنسبة 350% على أساس سنوي. وفي الوقت نفسه، تشير تقديرات «غولدمان ساكس» إلى أن مبيعات «بوب مارت» قد تصل على المدى الطويل إلى 11.3 مليار دولار عالمياً، أي بمستوى مبيعات «ليغو» الشهيرة.
والأمر لم يعد مجرد منافسة داخلية، فبوب مارت أصبحت تواجه العلامات اليابانية العريقة مثل «سانريو» (مبتكرة شخصية هالو كيتي) و«بانداي». ففي عام 2024، قفزت مبيعات «بوب مارت» بنسبة 107%، مقارنة بنمو 45% فقط لشركة «سانريو». وبذلك باتت الصين تنافس على صدارة سوق الألعاب الثقافية والترفيهية الذي لطالما سيطرت عليه اليابان.
لكن نجاح شركة «بوب مارت» ليس حالة منفردة، فالصين تحولت إلى قوة صاعدة أيضاً في مجال ألعاب الفيديو، إذ إن لعبة بلاك ميث: وكونغ (Black Myth: Wukong) المستوحاة من الأسطورة الصينية «رحلة إلى الغرب» حققت مبيعات بلغت 20 مليون نسخة في شهرها الأول عالمياً، لتصبح واحدة من أسرع الألعاب مبيعاً في التاريخ. أما لعبة غينشين إمباكت (Genshin Impact) فقد جنت ملياري دولار في عامها الأول، وتواصل اليوم تحقيق إيرادات أكبر خارج الصين، خصوصاً في اليابان والولايات المتحدة، مقارنة بسوقها المحلي.
وهذه النجاحات المتتالية أعادت صياغة صورة الصين عالمياً. ففي مؤشر القوة الناعمة الذي تصدره مؤسسة «براند فاينانس»، احتلت الصين المرتبة الثانية هذا العام بعد الولايات المتحدة مباشرة، متقدمة على المملكة المتحدة للمرة الأولى. وعزا التقرير هذا التقدم إلى استراتيجية متكاملة لتعزيز صورة الصين، شملت التركيز على التنمية المستدامة، وبروز علامات تجارية قوية، إضافة إلى الانفتاح من جديد على العالم بعد جائحة كورونا.
تغيير في نظرة الشباب
يقول المحللون إن هذه الموجة من العلامات التجارية الصينية تُحدث تغييراً عميقاً في نظرة الشباب العالمي إلى الصين. فبعد أن كانت المنتجات الصينية ينظر إليها باعتبارها «رخيصة» أو «مقلدة»، باتت اليوم تحمل طابعاً إبداعياً وجاذبية ثقافية. كما أوضحت المحللة يالينغ جيانغ: «أخيراً أصبحت الصين مرئية، ولم يعد الشباب يربطونها بصورة سلبية، بل صاروا ينظرون إلى المنتجات الصينية كما هي، بعيدًا عن أي أحكام مسبقة».
ومع ذلك، يظل السؤال مفتوحاً حول قدرة الصين على ترك المجال لشركاتها ومنتجاتها لتبني صورتها بنفسها، بعيداً عن النهج التقليدي القائم على توجيه الدولة من الأعلى إلى الأسفل. فبينما تحقق العلامات التجارية مثل «بوب مارت» و«غينشين إمباكت» اختراقات عالمية، تبقى معركة الصين الحقيقية هي في الموازنة بين سيطرتها السياسية ورغبتها في اكتساب قوة ناعمة أصيلة قائمة على الإبداع والثقافة الشعبية.
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة صحيفة الخليج ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من صحيفة الخليج ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.