اقتصاد / صحيفة الخليج

آسيا عند مفترق طرق رقمي

ديفيد كراوس *

تشهد آسيا، أكثر مناطق العالم نشاطاً في سوق العملات المشفّرة، لحظة حاسمة ستحدد مستقبل اقتصادها الرقمي، فبينما تنشغل وسائل الإعلام العالمية بتقلبات الأسعار وانهيارات منصات التداول، تكمن القصة الأعمق في التباينات المتسارعة بين سياسات الدول الآسيوية تجاه الأصول الرقمية وخاصة العملات المستقرة.
وتزامن هذا التحول مع إقرار الولايات المتحدة قانون «جينيوس» في يوليو/تموز 2025 والذي وضع إطاراً فيدرالياً واضحاً للعملات المستقرة المدعومة بالدولار ويمنح القانون صلاحيات إصدار هذه العملات لمؤسسات متعددة، ويضع معايير صارمة للشفافية والاحتياطيات، هذه الخطوة، رغم طابعها ، تحمل تأثيراً عالمياً، إذ توفر نموذجاً تنظيمياً قد يسرّع توحيد المعايير ويعيد تشكيل النظام المالي عبر الحدود.
غير أن آسيا لا تتحرك على إيقاع واحد، فسنغافورة وهونغ كونغ واليابان تسعى لدمج البلوكتشين في الاقتصاد الحقيقي عبر أطر تشريعية متقدمة، سنغافورة مثلاً، تبنّت نظام تراخيص مدروس لمنصات التداول ومصدري العملات المستقرة، معززاً بمبادرات لتجربة ترميز الأصول «توكنز» وتوازن هونغ كونغ بين جذب رؤوس الأموال المؤسسية وحماية المستثمرين الأفراد، أما فكانت سبّاقة في الوضوح التشريعي، بتوسيع قوانينها لتشمل الأصول العقارية المرمّزة، مع حصر إصدار العملات المستقرة في البنوك وشركات الائتمان المرخصة وبذلك تؤكد طوكيو استقلاليتها التنظيمية، حتى لو توافقت في الجوهر مع المعايير الأمريكية.
بدورها، سلكت كوريا الجنوبية مساراً مختلفاً، وذلك عبر قانون حماية مستخدمي الأصول الافتراضية، الذي دخل حيّز التنفيذ عام 2024 ويُعد الأكثر صرامة لحماية المستهلك في المنطقة، لكنها اليوم تحت ضغط متزايد لمواءمة تشريعاتها مع الإطار الأمريكي الجديد، تجنباً لعزلة مالية. وبخصوص ، فاختارت نهجاً متفرداً يتمثل بحظر شبه كامل للنشاطات المرتبطة بالعملات المشفرة منذ 2021، مع ترك مساحة تجريبية لهونغ كونغ كمنطقة اختبار وبهذا الأسلوب، تراقب بكين الابتكار عن قرب، دون أن تتعرض للخطر المباشر.
السؤال المهم اليوم لا يتعلق فقط بالتنظيم، بل بماهية الأصول الرقمية التي تخدم الاستقرار المالي والابتكار الحقيقي وهنا يبرز الإطار الذي اقترحه الخبير الاقتصادي هايمان مينسكي، الذي يصنّف الوحدات المالية بين «تحوطية» و«مضارِبة» و«هرمية». ووفق هذا المنظور، تمثل العملات المستقرة المدعومة بالاحتياطيات وحدات تحوطية قادرة على الوفاء بالتزاماتها.
«البيتكوين»، رغم غياب الاحتياطيات، تعامل كوحدة تحوطية بفضل سيولتها ونطاق تداولها أما المنصات اللامركزية والعملات المستقرة الخوارزمية فتقع ضمن الوحدات المضارِبة، فيما تنحدر عملات الميم والرموز غير القابل للاستبدال «إن إف تي» إلى خانة الهرمية، حيث يعتمد بقاؤها على تدفق أموال جديدة.
هذا ليس تنظيراً مجرداً، ففي كوريا الجنوبية وحدها أغلقت 11 منصة تداول أبوابها عام 2024 بسبب متطلبات رأس المال المشددة ومع تشديد السياسات النقدية وتراجع السيولة، بدأت المشاريع الأضعف بالانكشاف، في المقابل يثبت قطاع «البلوكتشين المؤسسي» متانته، إذ تقود آسيا تطبيقاته في تمويل التجارة واللوجستيات والهوية الرقمية، مع توقعات بأن ينمو حجمه من 4.5 مليار دولار عام إلى أكثر من 31 ملياراً بحلول 2033 ورغم أن قانون «جينيوس» مُتمحور حول الولايات المتحدة في طموحاته، إلا أنه قد يُعزز، على نحوٍ مُتناقض، قطاع «البلوكتشين» الخاص بالمؤسسات في آسيا من خلال وضع معايير دولية واضحة بشأن شفافية الاحتياطيات وقابلية التشغيل البيني.
إن «البلوكتشين» ليس حلاً سحرياً ولا لعنة مطلقة، نحن أمام ثورتين متوازيتين، واحدة هادئة تقودها المؤسسات عبر إنتاجية وأخرى صاخبة في الأسواق العامة رهينة المضاربة والقرارات التنظيمية.
* أستاذ فخري مشارك في جامعة «ماركيت» الأمريكية
«منتدى شرق آسيا»

ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة صحيفة الخليج ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من صحيفة الخليج ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.

قد تقرأ أيضا