اقتصاد / صحيفة الخليج

الإفلاس.. ما بين التجارة والانتعاش

ماجد محمد*

يُعدُّ الإفلاس من المفاهيم الجوهرية في عالم التجارة وريادة الأعمال، ورغم أن المصطلح ذاته غالباً ما يرتبط في الأذهان بالفشل والسلبية، إلا أن الواقع العملي يفرض على التاجر، منذ لحظة دخوله عالم الأعمال، أن يضع في اعتباره احتمالية اللجوء إلى الإفلاس، لا كخاتمة حزينة بل كفرصة للتحول وإعادة الانتعاش.
أولت دولة أهمية بارزة لتنظيم إجراءات الإفلاس من خلال إصدار مرسوم بقانون اتحادي رقم (51) لسنة لإعادة التنظيم المالي والإفلاس. بل وتقدمت خطوة إضافية حين منح المشرع الإماراتي الأولوية للصلح الواقي وإعادة الهيكلة على إجراءات الإفلاس، حتى أنه أطلق على القانون اسم قانون إعادة التنظيم المالي قبل الإفلاس، معرفاً إياه بأنه حزمة من الإجراءات تهدف إلى مساعدة المدين على الاستمرار في نشاطه التجاري. فالأصل - كما يرى المشرع - هو استمرارية النشاط التجاري وديمومة عجلة الاقتصاد. غير أن الأعمال، كغيرها من شؤون الإنسان، قد تواجه صعوبات وعقبات تحول دون استمرار نموها، وقد تنشأ ظروف اقتصادية أو جيوسياسية تؤثر سلباً في النشاط التجاري، ما يدفع التاجر إلى البحث عن حلول للخروج من الأزمة أو إعادة الانطلاق من جديد.
وقد أعطى المشرع الإماراتي للتاجر فرصة وأملاً، ونظم إجراءات التنظيم المالي من خلال وسائل عدة، مثل التسوية الوقائية وإعادة الهيكلة وإجراءات الإفلاس، دون هدر للحقوق أو إفراط في استخدام أدوات القانون، فالدائن والمدين على السواء يبحث كل منهما عن حقه، فكل معطٍ دائن وكل آخذ مدين.
فالتسوية الوقائية هي إجراءات يتخذها المدين بهدف مساعدته على الاستمرار في نشاطه التجاري والوفاء بديونه من خلال خطة يشرف عليها القضاء، ويتم التصديق عليها من المحكمة وقد ألزم المشرع مقدم الخطة أو مقترح التسوية الوقائية بتقديم خطة شاملة تتضمن أسماء الدائنين وضمانات جدية لحسن التنفيذ، وأهمها قابلية أعمال المدين للاستمرارية.
أما إعادة الهيكلة فهي أيضاً سلسلة من الإجراءات والخطط يتم التصديق عليها من المحكمة، غير أن المشرع ميزها بإمكانية أن تطلب من إحدى الجهات الرقابية، كما غل يد المدين أو مجلس إدارته أو مديريه في إدارة الشركة أثناء التنفيذ، حرصاً على نجاح خطة الإنقاذ وإعادة النشاط التجاري ولم يكتف المشرع بذلك، بل منح الدائنين الحق في التصويت على الخطة واقتراح تعديلات عليها.
وقد أجاز المشرع للمدينين، في إطار التسوية الوقائية أو إعادة الهيكلة، الحصول على تمويل جديد، دعماً لاستمرارية الأعمال وضماناً للتغلب على الأزمات المالية المؤقتة. أما إذا استمرت اضطرابات المركز المالي بالرغم من محاولات الإنعاش ووضع الخطط، فإن المشرع يسمح بفتح إجراءات الإفلاس وتسوية ديون المدين جماعياً من خلال تصفية أمواله وتوزيع العائد على الدائنين.
تبدأ هذه الإجراءات بتوقف المدين عن السداد وعجز مركزه المالي وعدم إمكانية استمرارية الأعمال، فيتم تعيين أمين لإدارة التصفية تحت إشراف المحكمة، وتُعد القوائم المالية وقوائم الدائنين وتُجرد أموال المدين.
يضع الأمين خطة للتصفية والتوزيع، تشمل أموال المدين وترتيب الدائنين وأولوياتهم، ويعرضها على المحكمة وقد منح المشرع الدائنين حق التصويت على خطة التصفية، وحق اختيار ممثلين لهم وتشكيل لجان للدائنين، ما يعزز الشفافية ويضمن حماية حقوقهم تحت رقابة القضاء.
أكد المشرع على أولوية الديون المضمونة أولاً، ثم الديون الممتازة مثل المصاريف القضائية والمبالغ المستحقة للجهات الحكومية ومستحقات نهاية الخدمة والرواتب غير المدفوعة، وأخيراً الديون العادية.
بهذا التنظيم المتكامل، استطاعت الإمارات تحويل نظام الإفلاس من إجراء عقابي إلى أداة فعالة لحماية الاقتصاد، وتحفيز التجار على المبادرة وعدم الخوف من الفشل، الأمر الذي يرسخ الثقة في بيئة الأعمال ويعزز الاستدامة والنمو الاقتصادي.
* المؤسس والشريك الإداري، ليدجرس لمراجعة وتدقيق الحسابات

ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة صحيفة الخليج ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من صحيفة الخليج ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.

قد تقرأ أيضا