"الانهيار ليس وشيكًا لكنه بالتأكيد محتمل"... هكذا كان تعليق مجلة "فوربس" الأمريكية على سوق الأسهم الأمريكي في الوقت الحالي، حيث يرى كثيرون أن هناك ارتفاعاً غير مبرر للسوق الذي يواصل تحطيم قممه القياسية، على الرغم من المخاوف التي تكتنف الوضع الاقتصادي المستقبلي للولايات المتحدة.
فسوق الأسهم الأمريكية يواجه مخاطر مزدوجة، حيث تشير العديد من المؤشرات إلى أن السوق مبالغ في تقييمه، قياسًا إلى المستويات المتوسطة تاريخيًا، في الوقت الذي تتصاعد فيه المخاوف من ركود اقتصادي محتمل، بما يثير تساؤلات جدية حول مستقبل الاقتصاد بشكل عام وسوق الأسهم بشكل خاص.
مؤشرات مقلقة
وفي هذا الإطار، يعتبر بنك "جيه بي مورجان" أن القيمة السوقية للأسهم الأمريكية وصلت إلى أعلى مستوى تاريخيًا، متجاوزة حتى ذروة فقاعة الدوت كوم، وذك بعدما اقترب المؤشر للغاية من بلوغ مستوى 6600 نقطة، ليحقق ارتفاعًا قدره 16.76% خلال الأشهر الستة من مارس 2025 إلى سبتمبر 2025، معوضًا كافة الخسائر التي مني بها في أبريل بسبب الرسوم الجمركية الأمريكية، ومحققًا صعودًا تاريخيًا.
للاطلاع على المزيد من المواضيع والتقارير في صفحة مختارات أرقام
والمقلق أن مؤشرات التقييم الرئيسية تُظهر أن السوق الأمريكي يتداول عند مستويات مرتفعة بشكل لافت.
فعلى سبيل المثال، وصل مؤشر السعر إلى الأرباح المستقبل أو مضاعف الربحية المستقبلي لمؤشر "ستاندرد آند بورز 500" إلى 22.5، وهو مستوى لم نشهده منذ فقاعة الدوت كوم في عام 2000.
كما أن مؤشر شيلر المعدل، وهو مؤشر أقره المفكر الاقتصادي "روبرت شيلر" ويعتمد على تقييم نسبة السعر إلى الأرباح المعدلة دوريًا على مدى عشر سنوات، مع استبعاد أثر التضخم، اقترب من 39 نقطة، وهو أعلى بكثير من متوسطه التاريخي الذي يتراوح بين 16 و17.
وكثيرًا ما ينظر إلى مقياس "شيلر" على أنه أكثر مصداقية من متوسط مضاعف الأرباح العادي، في ظل أنه ينظر لمتوسطات 10 سنوات وليس الأرباح على المدى القصير، وما يزيد القلق أن وصول المؤشر إلى 39 نقطة يجعله في ثالث أعلى مستوياته التاريخية بعد وصوله لقمته التاريخية قبل الأزمة المالية العالمية، ولقمته الثانية تاريخيًا قبل أزمة فقاعة "دوت كوم"، ومع استمرار الارتفاع المضطرد قد تصل السوق لقمم تاريخية قياسية جديدة.
كما يبرز "مؤشر بافيت"، الذي يقيس نسبة القيمة السوقية الإجمالية للأسهم الأمريكية إلى الناتج المحلي الإجمالي، حيث بلغت هذه النسبة 217%، مما يشير إلى مبالغة كبيرة في التقييم، حيث إن هذه هي أعلى نسبة بلغها المؤشر منذ إقراره منذ أكثر من 50 عامًا (وربما يفسر ذلك إصرار "وارين بافت" على الاحتفاظ بنسبة كبيرة من استثماراته بشكل أموال سائلة رغم استمرار السوق في الارتفاع لتقديره أن السوق مبالغ في تقديره).
وفورات متوقعة ولكن
ويبقى السؤال لماذا يُعتبر هنا الارتفاع مقلقًا على الرغم من الوفورات المتوقعة من الذكاء الاصطناعي، والتي تقود شركاتها صعود سوق الأسهم؟
لعل أول أسباب القلق هو هيمنة شركات التكنولوجيا الكبرى مثل آبل ومايكروسوفت وإنفيديا على السوق مع سيطرة السبع شركات الكبرى على قرابة 40% من حجم المؤشر الأمريكي الرئيسي والذي يضم 500 شركة.
ويزيد هذا من تركيز السوق ويجعله عرضة للتأثر بأي تراجع في أرباح تلك الشركات، أما اقتصاديًا ساهمت الطفرة في الإنفاق على الذكاء الاصطناعي في 40% من نمو الناتج المحلي الإجمالي في الربع الثاني للعام الحالي، مما يؤكد أن التركيز ليس فقط في مؤشر الأسهم ولكن في النمو الاقتصادي أيضًا بما يجعل المخاطر أكبر.
كما أن ارتفاع السوق يأتي بينما تتزايد المخاوف من تباطؤ الاقتصاد الأمريكي، والذي تبرز أهم إشاراته في سوق العمل الذي أظهر علامات ضعف واضحة، حيث بلغ معدل التوظيف 22 ألف وظيفة فقط في أغسطس، وهو أقل من التوقعات بكثير جدا بـ75 ألفًا، في حين ارتفع معدل البطالة إلى 4.3%، وذلك وسط إعادة مراجعات متكررة لأرقام التوظيف والتشكيك في مدى دقتها في الآونة الأخيرة، أي أنها قد تكون أدنى مما هو معلن.
وفي ملف العمالة أيضًا بدأت المخاوف من تأثيرات حملة إدارة "ترامب" على المهاجرين سلبًا على الاقتصاد، حيث ظهرت إشارات على نقص العمالة لبعض الوظائف مما من شأنه التأثير سلبًا على النمو الاقتصادي لا سيما في القطاعات التقليدية.
غياب اليقين
بشكل عام تبدو سوق الأسهم منفصلة عن المشهد الاقتصادي العام في أمريكا، الذي يتسم بحالة كبيرة من عدم اليقين، لا سيما بعد أن عدلت عدة هيئات توقعاتها للنمو الاقتصادي الأمريكي في العامين الحالي والمقبل، وأبرزها منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية التي خفضت توقعاتها لنمو الاقتصاد الأمريكي إلى 1.6% فقط لهذا العام، مقارنة بتوقعات سابقة بلغت 2.2%.
كما توقعت المنظمة أن ينخفض النمو إلى 1.5% في عام 2026، وأرجعت المنظمة هذا التراجع إلى تصاعد الرسوم الجمركية التي فرضتها إدارة ترامب، وزيادة حالة عدم اليقين حول السياسات الاقتصادية، وتباطؤ الهجرة الصافية، وتقلص حجم القوى العاملة على المستوى الفيدرالي.
وأكد هذه التقديرات "محمد العريان" مشددًا على انخفاض النمو الاقتصادي الأمريكي إلى ما دون 2%، وقد خفض بنك "جولدمان ساكس" توقعاته إلى 1.7% فقط.
ومن ضمن ما يهدد النمو الأمريكي حقيقة ارتفاع سعر الفائدة مما يقوض قدرة الأعمال الأقل ربحية على الاقتراض، فضلًا عن ارتفاع تكلفة الطاقة بسبب مراكز الذكاء الاصطناعي، بما أبرز "هشاشة" الاقتصاد الأمريكي وفقًا لبعض المحللين.
كما أظهر مؤشر ثقة المستهلك الصادر عن جامعة "ميشيجان" تراجعًا ملحوظًا، مما يعكس قلقًا متزايدًا لدى الأسر الأمريكية بشأن الدخل والتضخم، مما قد يؤدي إلى موجة من مراجعات النمو السلبية في الأشهر المقبلة.
وعلى الرغم من إقرار الفيدرالي الأمريكي لأول خفض للفائدة في 2025 في 17 سبتمبر، استجابة لتراجع النمو والتباطؤ النسبي في سوق التوظيف فإن توقعات استقرار التضخم عند 3.2% بنهاية العام الحالي بالمقارنة مع التوقعات السابقة بوصوله لـ 2.8% قد تجعل من الصعب على الفيدرالي مواصلة خفض الفائدة أو على الأقل قد تقلل من نسب الخفض المنتظرة مستقبلاً.
وتزيد ضغوط الرئيس الأمريكي في اتجاه خفض الفائدة من قرارات الفيدرالي صعوبة، لأن تقدير الأسواق عن تحركات الفيدرالي أنها تبدو غير مستقلة وتستجيب للرئيس مما سيكون له تأثير سلبي كبير على سوق الأسهم بشكل خاص والاقتصاد الأمريكي بأكمله.
وعى الرغم من تبدد احتمالات ركود الاقتصاد الأمريكي في العام الحالي، فإن المحللة في مركز "مودي" للدراسات الاقتصادية "ماريسا دي ناتالي" ترى أن احتمالات الركود في العام المقبل 50%، في ظل عدم الثقة في اتباع سياسات اقتصادية مستقرة تقضي على احتمالات الركود.
وبناء على كل ما سبق يبدو السوق الأمريكي مبالغًا في تقييمه وفقًا لمعظم المؤشرات، ومخاوف الركود منطقية وإن كانت غير مؤكدة تمامًا، لذلك، يجب على المستثمرين توخي الحذر والتركيز على التنويع في محافظهم، والبحث عن فرص في القطاعات الأقل تقييمًا.
المصادر: أرقام- مورنينج ستار- فوربس- جي. بي. مورجان- سي.إن.بي.سي- ماركتس
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة ارقام ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من ارقام ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.