اقتصاد / صحيفة الخليج

انتعاش بورصة عمّان.. طفرة أم تحول؟

د. رامي كمال النسور*

تُعد بورصة عمّان من أهم المؤسسات المالية في الأردن، فهي المرآة التي تعكس واقع الاقتصاد المحلي وحركة الاستثمارات. إلا أن المتابع لمسارها يلاحظ أنها ظلت لسنوات طويلة في حالة ركود شبه كامل، دون أن تحقق قفزات مماثلة لما شهدته معظم البورصات العربية والعالمية. غير أن العام الحالي شكّل نقطة تحول، إذ ارتفع مؤشر الأسعار ليتجاوز حاجز 3000 نقطة، وهو أعلى مستوى منذ عام 2008 وهو مستوى لم تسجله منذ سنوات، حيث بلغت القيمة السوقية للشركات المدرجة في أول سبعة شهور من عام 2025، نحو 22.3 مليار دينار أردني، مقارنة ب 17.65 مليار دينار في نهاية 2024، مما يمثل ارتفاعاً يقارب 26.3%.
والسؤال هنا ما أسباب هذا السكون الطويل؟ وما هي العوامل التي دفعت إلى الانتعاش مؤخراً؟
أول أسباب السكون الطويل في مؤشر بورصة عمَان ونحن هنا نستثني الشهور الأولى من هذا العام، هو تراجع النمو الاقتصادي المحلي الاقتصاد الأردني خلال السنوات الماضية حيث واجه تحديات متكررة مثل محدودية الموارد الطبيعية، ارتفاع المديونية العامة، وضعف معدلات النمو. هذه العوامل انعكست مباشرة سلباً على شهية المستثمرين في سوق الأسهم الأردنية.
ثم يأتي بعدها ضعف السيولة في السوق وغياب التدفقات الكبيرة لرؤوس الأموال الأجنبية والاستثمار المؤسسي مما أدى إلى ضيق نطاق التداول، حيث بقي الاعتماد الأكبر على المستثمر المحلي الذي يتأثر سريعاً بالظروف الاقتصادية والمعيشية المتراجعة في الأردن، أيضاً كانت الأوضاع السياسية والإقليمية في الأردن والمنطقة منذ ما قبل فترة الربيع العربي مروراً بالحرب في وانتهاء بحرب غزة وغيرها من الحروب، من أهم هذه الأسباب للسكون، حيث إن موقع الأردن في منطقة مضطربة سياسياً وأمنياً أثر في ثقة المستثمرين الدوليين وحتى المستثمرين المحليين. فالتوترات المحيطة خلقت بيئة عالية المخاطر دفعت العديد من رؤوس الأموال إلى تفضيل أسواق أكثر استقراراً. وأقل خطورة. ومن العوامل الهامة أيضاً ضعف معدلات الإفصاح من قبل الشركات المدرجة وغياب وتراجع التطبيق الفعال لمبادئ الحوكمة على إدارات الشركات المساهمة العامة المدرجة. وأخيراً يأتي عامل محدودية تنوع الشركات المدرجة وغياب الصناديق الإستثمارية وضعف عمق السوق حيث يتركز الجزء الأكبر من الشركات المدرجة في قطاعات تقليدية مثل البنوك والتأمين والعقار، مع غياب ملحوظ للشركات التكنولوجية أو الصناعية الكبرى التي عادة ما تجذب المستثمرين الباحثين عن النمو السريع وهذه النقطة الأخيرة كنت قد أفردت لها مقالاً خاصاً في جريدة الخليج الغراء يوم الواحد والعشرين من سبتمبر 2025.
والآن ونحن نتحدث عن مؤشر العام لأسعار الأسهم المدرجة (ASEGI) قد ارتفع بنسبة 27.4% منذ بداية عام 2025 وحتى نهاية شهر أيلول تقريباً.
وبالتالي فما هي أسباب هذا الارتفاع الملحوظ في المؤشر مع ملاحظة أن قيادة التغيير فيه تعود لخمسة أسهم قيادية تقليدية في السوق.
أول هذه الأسباب، هو تحسن الأداء المالي للعديد من الشركات المدرجة، خصوصاً في القطاع المصرفي، أعلنت عن نتائج مالية قوية مع ارتفاع أرباحها، ما انعكس إيجاباً على أسعار أسهمها. وخاصة الشركات التقليدية المدرجة في السوق مثل البنوك، والفوسفات، والبوتاس، والكهرباء.
يأتي بعد ذلك السبب الثاني وهو جاذبية الأسعار منذ زمن بعيد إذ كانت أسعار الأسهم رخيصة للغاية حسب المؤشرات المالية التقليدية مثل القيمة السوقية إلى القيمة الدفترية والتي كانت بحسب الأرقام الفعلية القيمة السوقية لكثير من الشركات تقل كثيراً عن القيمة الدفترية ولشركات كبيرة واستراتيجية ومن ثم وبعد سنوات طويلة من الركود، باتت أسعار العديد من الأسهم في مستويات مغرية جداً، مما حفّز المستثمرين على الدخول وشراء الأسهم، وبالتالي رفع المؤشر.
أيضاً من هذه الأسباب زيادة ثقة المستثمرين المحليين إلى الاستقرار النقدي، والسياسة المتحفظة للبنك المركزي الأردني في مواجهة التضخم وأسعار الفائدة، عززت ثقة المتعاملين في السوق.
وأضيف على هذه الأسباب الاهتمام الإقليمي بالأسواق الناشئة حيث شجعت مثلاً خطوة الحكومة في منح الجواز الأردني للمستثمرين في السوق بحجم استثمار معين، هذا شجع على دخول سيولة ملحوظة نوعاً ما، أضف إلى ذلك سيولة تواترت من الأسواق الخليجية نتيجة لارتفاع الأسعار فيها ودخولها نوعاً ما في حالة من الاستقرار السعري كل ذلك شجع على الدخول للسوق الأردني.
خلاصة القول إن ركود بورصة عمَان طوال السنوات الماضية كان نتيجة لتداخل عوامل اقتصادية محلية، وظروف إقليمية، وضعف بنيوي في السوق نفسه. لكن الانتعاش الحالي قد يعكس بداية مرحلة جديدة مدفوعة بأداء قوي للشركات، وثقة متزايدة من المستثمرين، ودعم حكومي يسعى لجعل السوق أكثر حيوية وجاذبية.
غير أن استدامة هذا الصعود مرهونة بقدرة الأردن على تعزيز بيئة الاستثمار، وتنويع الشركات المدرجة، وزيادة انفتاح السوق أمام رؤوس الأموال الأجنبية، وتعزيز مستويات الإفصاح ومبادئ الحوكمة على الشركات المدرجة وكذلك تفعيل دور الحكومة في الترويج لبورصة عمَان كوجهة استثمارية وكذلك معرفة أثر القرارات الحكومية الأخيرة بشأن السوق وكذلك اتجاهات أسعار الفائدة وإرهاصات الأوضاع السياسية في المنطقة.
* المستشار في الأسواق المالية والحوكمة والاستدامة

ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة صحيفة الخليج ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من صحيفة الخليج ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.

قد تقرأ أيضا