د. ثاني الزيودي*
عند توقيع اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة بين دولة الإمارات العربية المتحدة والجمهورية التركية، شعرنا جميعاً آنذاك بأنها تمثل خطوة مهمة في مسيرة التعاون البناء للدولتين الصديقتين، ولضمان ازدهار المنطقة في المستقبل، بنفس أهميتها الاستراتيجية التجارية الجديدة لدولة الإمارات الهادفة إلى توسيع شبكة الشركاء التجاريين للدولة عبر إبرام شراكات تنموية مع دول ذات آفاق نمو واعدة حول العالم.
والاتفاقية التاريخية التي جرى توقيعها خلال قمة عبر الاتصال المرئي بين صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، والرئيس رجب طيب أردوغان، لم تكن مجرد اتفاقية تجارية واستثمارية، إذ أحدثت نقلة نوعية في علاقات الصداقة الممتدة بين البلدين، وما حدث عقب توقيعها في 3 مارس 2023 خير دليل على ذلك. وقد دخلت الاتفاقية حيز التنفيذ في الأول من سبتمبر 2023، وألغت أو خفضت الرسوم الجمركية على 82% من السلع والمنتجات المتبادلة بشكل فوري، ووحّدت الإجراءات الجمركية، وأتاحت فرصاً للتعاون وبناء الشراكات التجارية والاستثمارية بين مجتمعي الأعمال والقطاع الخاص في الجانبين.
وبحسب دراسات الجدوى، كان المستهدف -تحت مظلة الاتفاقية عند بدء سريانها - أن يتجاوز حجم التجارة الثنائية غير النفطية 40 مليار دولار سنوياً خلال خمسة أعوام، أي ثلاثة أضعاف الرقم المسجل في عام 2021 والبالغ 13.7 مليار دولار، وأن ترتفع صادرات الإمارات إلى تركيا بنسبة 21.7% بحلول عام 2030.
ومع حلول أكتوبر 2025، وبعد عامين كاملين من دخول الاتفاقية حيز التنفيذ أصبحت لدينا الآن بيانات كاملة لتقييم مدى صحة التفاؤل الذي شعر به الجميع عند توقيع هذه الشراكة. والصورة حالياً في منتهى الوضوح: فقد مكّنتنا الاتفاقية من تجاوز جميع التوقعات، والأهم من ذلك، تجاوز التحديات الراهنة في المشهد التجاري الإقليمي والعالمي. ففي الأشهر الاثني عشر الأولى من الاتفاقية، بلغ حجم التجارة غير النفطية بين الإمارات وتركيا 40 مليار دولار، بزيادة قدرها 42% عن الفترة المقابلة من العام السابق. وفي الأشهر الخمسة الأخيرة من عام 2023، والتي كانت أربعة منها تحت مظلة الاتفاقية، استقبلت تركيا 60% من إجمالي الصادرات الثنائية غير النفطية لدولة الإمارات في ذلك العام. أي أن أهدافنا التجارية الثنائية التي كانت مستهدفة خلال 5 سنوات قد تحققت في أقل من 18 شهراً.
وحافظنا على هذا التقدم الملحوظ في العام الثاني لسريان الاتفاقية، إذ تشير البيانات الأولية إلى أن حجم التجارة الثنائية غير النفطية بين سبتمبر 2024 وأغسطس 2025 بلغ حوالي 44 مليار دولار، بزيادة قدرها 12% في عام اتسم بتحديات إقليمية في سلاسل التوريد، لا سيما في الشرق الأوسط، وتباطؤ ملحوظ في التجارة العالمية. وفي النصف الأول من عام 2025، بلغت صادرات الإمارات غير النفطية إلى تركيا 7.41 مليار دولار، أي ما يعادل ثلاثة أضعاف ما صدّرناه في عام 2019 بأكمله.
إن علاقتنا لا تقتصر على تبادل السلع بالطبع، إذ تهدف اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة بين الإمارات وتركيا إلى إنشاء ممر للنمو عبر المنطقة، وتسهيل تدفقات رؤوس الأموال وتسهيل التعاون في القطاع الخاص لتطوير القطاعات ذات الأولوية مثل التصنيع، وإنتاج الأغذية، والخدمات اللوجستية، والخدمات المالية، والطاقة المتجددة. ففي يوليو 2023، اتفق صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات، حفظه الله، والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، على حزمة استثمارية بقيمة 51 مليار دولار، من شأنها تحقيق الاستقرار الاقتصادي والتنمية. ونشهد الآن تجسيد هذه المشاريع في مجموعة من القطاعات، بما في ذلك الاندماج الاستراتيجي لمجموعة موانئ دبي العالمية مع مجموعة «إيفياب»، والذي سيشهد تطوير مينائي ياريمجا وكورفز لمعالجة مليوني حاوية نمطية سنوياً، ما يعزز دور تركيا في سلاسل التوريد الدولية. وتسعى شركة نواتوم، التابعة لمجموعة موانئ أبوظبي، إلى دعم تطوير القدرات اللوجستية لتركيا. وسيوفر افتتاح مكاتب في إسطنبول وإزمير مجموعة من الخدمات لشحنات بحرية بقيمة 620 مليار دولار، والتي تنتقل من وإلى موانئ الدولة سنوياً، بما في ذلك تعزيز روابطها مع دولة الإمارات.
وقد تم إبرام صفقات في القطاع المالي، حيث يأتي استحواذ «القابضة» (ADQ) على «أوديا بنك» في إطار خططها لزيادة حضورها في القطاع المصرفي التركي وتطوير حلول التكنولوجيا المالية والمدفوعات في سوق استهلاكية ناشئة. وخلال هذا الصيف، دخلت كل من منصة التجارة الإلكترونية التركية Trendyol، وشركة Baykar لتصنيع الطائرات بدون طيار، وشركة Ant International الصينية للتكنولوجيا المالية، و«القابضة» (ADQ) في مشروع مشترك لتطوير منصة جديدة للتكنولوجيا المالية، قادرة على تقديم خدمات مالية رقمية تشمل المدفوعات والودائع والقروض والتأمين ومنتجات الاستثمار.
كما تتدفق الاستثمارات من الجانب التركي إلى دولة الإمارات، إذ تتجاوز القيمة الإجمالية للمشاريع التركية في الدولة الآن 17.7 مليار دولار، وهو رقم يجعل دولة الإمارات عاشر أكبر متلقٍ للاستثمارات التركية عالمياً، ويؤكد قدرتنا على ربط القطاع الخاص التركي بالفرص العالمية.
ومع ذلك، ما زالت مسيرة الاتفاقية في بدايتها. فقد فتحنا الباب أمام تعزيز التعاون، لكننا سنواصل الجهود الدؤوبة مع فرق العمل لمساعدة مجتمعي الأعمال على تحقيق الاستفادة القصوى من هذه الشراكة الواعدة. ولهذا السبب وقعت الدولتان في يوليو الماضي، سبع اتفاقيات تعاون جديدة في قطاعات السياحة والضيافة، والأدوية، والصناعة، والتصنيع، والأغذية والزراعة، والتي تهدف إلى توفير الزخم اللازم لمشاريع وشراكات جديدة بيننا.
لا شك أن ما شهدناه خلال العامين الماضيين، يعد خطوة مهمة في العلاقات الإماراتية التركية. ولكن لا يزال أمامنا الكثير من الإنجازات لنحققها. ومع استمرار الازدهار التجاري والاستثماري المتبادل الذي يفوق التوقعات ستواصل الدولتان الصديقتان جني ثمار اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة عبر تحقيق المزيد من النمو الاقتصادي المتبادل. والقادم أفضل بإذن الله.
* وزير التجارة الخارجية
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة صحيفة الخليج ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من صحيفة الخليج ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.