د. محمد الصياد*
في ضوء عدم اليقين الذي يعتري الأسواق والمستثمرين والشركات وحتى الحكومات، جراء التقلبات المتفاوتة الحدة في المكونات المفتاحية للعلاقات الاقتصادية الدولية، لاسيما التجارة الدولية وتسوياتها النقدية، التي زادت حدتها ووتيرتها منذ اتساع شعبية النظام الدولي المتعدد الأقطاب بين بلدان الجنوب العالمي في السنوات الخمس الأخيرة، وانفجار الصراع الجيوسياسي الدولي في أعقاب الحرب الروسية الأطلسية على الأراضي الأوكرانية في فبراير 2022 بدأت بعض الدول النامية والصاعدة في البحث عن وسيلة وقائية للمخاطر المالية التي قد تنجم عن استغراق الولايات المتحدة في تسليح الدولار الأمريكي
Dollar weaponization (تستخدم الولايات المتحدة الدولار ونظام المدفوعات بالدولار منذ حقبة الحرب الباردة كسلاح لفرض عقوبات اقتصادية على الدول التي تحاول ممارسة سيادتها الاقتصادية على مواردها وسياساتها الاقتصادية، بهدف تعطيلها تنمويا)، وذلك رداً على اتجاه نزع الدولرة
De-dollarization الذي بدأ يظهر في بعض الممارسات النقدية الدولية، بعد عقود من استفادة واشنطن من هيمنة الدولار على التجارة الدولية. على سبيل المثال، بلغت نسبة احتفاظ البنوك المركزية العالمية بالدولار الأمريكي بنحو 58% من احتياطياتها، انخفاضاً من 65% قبل عشر سنوات. وبحسب مورغان ستانلي، فقد فقد الدولار الأمريكي 11% من قيمته خلال النصف الأول من هذا العام (2025)، الأضخم منذ 50 عاماً.
الاستغراق في تسليح الدولار أغرى الولايات المتحدة لمد مظلته ليشمل حتى الدول «الحليفة أو الصديقة» لها إذا وجدت أن سياساتها لا تصب في صالح الولايات المتحدة. لذلك، حين وجدت البلدان الأوروبية الحليفة المُؤتلفة في الاتحاد الأوروبي تزايد قرارات العقوبات الأمريكية الأحادية الجانب، أدركت أهمية قيام الاتحاد الأوروبي بإنشاء نظام مستقل عن نظام سويفت ونظام الدفع الأمريكي، لا يتضمن الدفع بالدولار. كما أدى الاستخدام الواسع للدولار الأمريكي في فرض العقوبات، إلى دفع الدول الأخرى للبحث عن عملات بديلة للتجارة الثنائية. وبحسب تقديرات جي بي مورجان بشأن إزالة الدولرة، فإن «التنويع بعيداً عن الدولار هو اتجاه متزايد».
هنا بدأت الولايات المتحدة تتحرك بسرعة وبقوة لإنقاذ هيمنة الدولار التي تؤمن تطبيق عقوباتها غير القانونية، بنجاح شبه تام. فقد أجبرت حكومة الولايات المتحدة بنك التسويات الدولية (البنك المركزي العالمي للبنوك المركزية) على التخلي عن مشروع mBridge، الذي يسهل المعاملات عبر الحدود باستخدام العملات الرقمية بين البنوك المركزية في الصين وتايلاند والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، بهدف الحفاظ على السيطرة العالمية للدولار الأمريكي. بهذا السياق هدد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بفرض تعريفات جمركية بنسبة 100% على الدول الأعضاء في مجموعة بريكس والدول التي تسعى إلى إزالة الدولار.
مشروع إم بريدج mBridge، كان قد أُطلق في عام 2021 للتعاون بين بنك التسويات الدولية والبنوك المركزية في الصين وهونج كونج وتايلاند والإمارات العربية المتحدة، وفي يونيو 2024 انضمت اليه المملكة العربية السعودية. كما يضم العديد من الأعضاء المراقبين. وهو عبارة عن دفتر مدفوعات قائم على تقنية Blockchain، مصمم لدعم المدفوعات عبر الحدود في الوقت الفعلي ومعاملات الصرف الأجنبي. ومن خلال استخدام العملات الرقمية للبنوك المركزية بالجملة، يهدف المشروع لتقليل الوقت والنفقات المرتبطة بالمعاملات التقليدية العابرة للحدود. في أكتوبر 2024، أعلن بنك التسويات الدولية بصورة مفاجئة إنه سينسحب من المشروع.
نظام mBridge، ليس بديلا لأنظمة المراسلة المالية الغربية مثل SWIFT، لكنه يوفر ميزة في غاية الأهمية، وهي التسوية الفورية، ما يعني الاستغناء عن نظام سويفت لتسوية المدفوعات عبر الحدود. علما بأن إنشاء نظام مدفوعات عبر الحدود باستخدام تقنية Blockchain ودفتر الحسابات الموزع، كان مدار نقاش في قمة بريكس التي عقدت في مدينة قازان الروسية في أكتوبر 2024. وفي الأصل، كان mBridge، ولا يزال، مشروعا أنشأه وأخرجه بنك الشعب الصيني، قبل أن تتم دعوة بنك التسويات الدولية للمشاركة فيه. وقد كان مقره، ولا يزال، في هونغ كونغ، حيث لازالت تعمل منصة خدماته المالية الدولية بشكل جيد، ولازال البائعون والمشترون يدفعون بعملاتهم الخاصة طوال الوقت. تقود المشروع هيئة النقد في هونج كونج (HKMA)، وبنك تايلاند المركزي (BoT)، والبنك المركزي لدولة الإمارات العربية المتحدة (CBUAE)، ومعهد العملة الرقمية لبنك الشعب الصيني (PBC DCI).
*خبير بحريني في العلاقات الاقتصادية الدولية
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة صحيفة الخليج ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من صحيفة الخليج ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.