اقتصاد / صحيفة الخليج

«الفيدرالي» والبنوك الأمريكية.. عالمان متوازيان

مايك دولان*

يبدو أن البنك المركزي والبنوك المحلية تعيش في عالمين متوازيين «لا يلتقيان»، أحدهما يشهد تضييقاً للسيولة، والآخر يغرق فيها.
ففي عام مليء بالتناقضات بين التغيرات الكبرى في السياسة الاقتصادية الأمريكية وردود فعل الاقتصاد والأسواق المالية، كشف الأسبوع ماضي لغزاً جديداً.
الثلاثاء، ألقى رئيس الفيدرالي، جيروم باول، خطاباً بدا فيه متساهلاً بشكل واضح، مؤكداً على ضعف سوق العمل، لكنه أشار أيضاً إلى بوادر على تشديد السيولة داخل أسواق المال.
وأدت تصريحاته إلى ترسيخ توقعات السوق بخفضين إضافيين لسعر الفائدة قبل نهاية العام، مع غياب البيانات الاقتصادية الرسمية التي قد تعارض افتراضات الفيدرالي بسبب الإغلاق الحكومي الأمريكي.
لم يكتفِ باول بذلك، بل أثار أيضاً التكهنات بأن عملية «التشديد الكمي»، أو تقليص الميزانية العمومية الضخمة التي تراكمت من سندات الخزانة خلال الجائحة، قد تنتهي في الأشهر المقبلة. وبالفعل، دأب الفيدرالي منذ فترة على إبطاء هذا التراجع، وكان السوق يتوقع توقفه في وقت ما بداية العام المقبل.
إن إنهاء التشديد الكمي قريباً، مع استئناف خفض أسعار الفائدة، يوفران دعماً كبيراً لنظام مالي يولّد أكثر الظروف الميسّرة منذ نحو أربع سنوات، مع اقتراب أسعار الأسهم من مستويات قياسية، وانتشار الشكوك حول وجود فقاعات في قطاعي المالية والتكنولوجية.
وكما هي الحال دائماً، تتضمن إدارة الميزانية العمومية للفيدرالي سلسلة معقدة من المقاييس غير المحددة تماماً حول ما يشكل احتياطات مصرفية كافية، بالإضافة إلى مراقبة استخدام تسهيلات الإقراض الفيدرالية، وأسعار إعادة شراء الأوراق المالية، وحتى تقلبات التمويل نهايةَ كل ربع.
وقد تم بالفعل التخلص من جزء من السيولة الزائدة الناتجة عن عمليات إنقاذ الجائحة، والتي كانت تُحيّد يومياً من خلال عمليات «إعادة الشراء الاحتياطية» للفيدرالي. والسؤال الآن: هل عادت مستويات الميزانية العمومية واحتياطات البنوك إلى حالة توازن مستدام؟ يبدو أن باول يعتقد أن السيولة أصبحت مرتفعة بما يكفي لدرجة عدم المخاطرة بحدوث أزمة، وأن حالة الاستقرار قد تكون أقرب مما كان يظنه الكثيرون، حتى لو كان معدل التشديد الكمي قد انخفض إلى 5 مليارات دولار فقط من سندات الخزانة شهرياً منذ مارس/آذار.
البنوك الأمريكية... نبرة مختلفة
ومع ذلك، تبدو الإشارات غريبة، خاصة في اليوم نفسه الذي نشرت فيه البنوك الأمريكية الكبرى نتائجها الفصلية الأخيرة. فقد أبرزت هذه النتائج ليس فقط ازدهار أعمال الاستثمار المصرفي والرسوم، بل أيضاً نمواً سريعاً في الإقراض للشركات، مع ملاحظات متكررة حول احتمال تضخم بعض أسواق المال.
وبحسب جيمي ديمون، رئيس بنك «جيه بي مورغان»، نشهد الآن سوقاً صاعدة للائتمان منذ ما يقرب من عقد كامل، وهذه علامات مبكرة على وجود فائض محتمل. في إشارة إلى انهيار شركتي «فيرست براندز» و«تريكولور» الشهر الماضي، الذي أثار تساؤلات حول الأسواق الخاصة للائتمان، وكذلك ضعف الضوابط عموماً.
كما حذر مديرو الأصول العالميون من المبالغة في المراكز المالية، مع مخاوف من اضطراب محتمل في الأسواق الائتمانية. وأظهر أحدث استطلاع ل«بنك أوف أمريكا» أن المستثمرين يقيمون ظروف السيولة هذا الشهر كأفضل ما كانت منذ 2021، مع أعلى تخصيص للأسهم في ثمانية شهور وأدنى احتياطات نقدية منذ أكثر من عقد.
لماذا هذا التناقض؟ ولماذا يبدو باول وزملاؤه حريصين على صب مزيد من الزيت على النار في هذا التوقيت؟ بعيداً عن ضجيج الذكاء الاصطناعي والأسواق المزدهرة، فإن سوق العمل يضعف بالفعل، وإن كان ذلك بطريقة غامضة مرتبطة بالقيود على الهجرة، وربما يكون الفيدرالي حذراً بشأن تأثير ذلك بعد عام من الآن.
فهل رصدت البنوك المركزية خطراً أكبر قادماً، أم أن قراءة السيولة في النظام المصرفي أظلم مما تبدو عليه العناوين؟ ربما يكون الضغط السياسي لدعم سوق الخزانة والمال الرخيص أكبر من مقاومته، حتى مع استمرار التضخم في نطاق 2.5% إلى 3%.
لقد أكد ستيفن ميران، الحاكم الجديد للفيدرالي، طوال الأسبوع الماضي على أن أسعار الفائدة المحايدة أقل بكثير مما يعتقد معظم زملائه، وبالتالي يتعين على الفيدرالي الوصول إلى هذه النقطة قريباً لتجنب إبطاء الاقتصاد.
لكن بالنظر إلى البنوك والأسواق، وقراءات الاقتصاد قبل الإغلاق، لا توجد دلائل على أي تباطؤ في الناتج المحلي الإجمالي. وإذا صدّقنا كل ما يُروج له عن الذكاء الاصطناعي، فإن المعدلات المحايدة قد تكون أعلى من ذلك بكثير.
* محرر الأسواق المالية في «رويترز»

ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة صحيفة الخليج ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من صحيفة الخليج ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.

قد تقرأ أيضا