حكم بريطانيا مجموعة من القادة خلال العقد الماضي، ولايزال رؤساء الوزراء السابقون الثمانية في الساحة السياسية بشكل أو بآخر، ويُعلقون باستمرار على الأحداث والقرارات الحكومية، وعلى أدائهم لمهامهم السابقة.
وفي نهاية هذا الأسبوع فقط، حاولت كيمي بادينوخ، زعيمة حزب المحافظين البريطاني «المنهك»، النأي بنفسها عن الإرث الاقتصادي المتعثر لرئيسة الوزراء السابقة من حزب المحافظين، ليز تراس، ما أثار غضب الأخيرة. ويبدو الأمر مؤسفاً لبادينوخ، إذ نادراً ما يمر يوم دون أن تثير حكومة حزب العمال شبح تراس.
ويواجه رئيس الوزراء، كير ستارمر، مشكلاته الخاصة، حيث لا يغيب عن عناوين الأخبار سلفاه من حزب العمال: توني بلير وغوردن براون اللذان يقدمان في الغالب نصائح غير مرغوب فيها.
ويقول المؤرخ أنتوني سيلدون، الذي ألف كتباً عن العديد من رؤساء الوزراء الراحلين، بما في ذلك كتاب «المكتب المستحيل.. تاريخ رئيس الوزراء البريطاني»: «يبدو أن مهمات بعض رؤساء الوزراء غير مكتملة»، مضيفاً: «شعر بعضهم أن أجندته لم تنتهِ بعد».
وقالت مستشارة الاتصالات السياسية لورا إميلي دان التي عملت مع وزراء في حكومة المحافظين: «مازالوا يريدون الشعور بأن لديهم هدفاً».
الفرصة الثانية
منذ فوز ستارمر الساحق قبل أكثر من عام بقليل، توالت تدخلات بلير وبراون بوتيرة سريعة. واستخدم الأول مؤسسته الخاصة (معهد توني بلير للتغيير العالمي)، وهو مركز أبحاث لنشر سلسلة من أوراق السياسات، مع التركيز بشكل خاص على الذكاء الاصطناعي.
وقبل أيام قليلة من الانتخابات المحلية الحاسمة في وقت سابق من هذا العام، دقّ بلير ناقوس الخطر في «داونينغ ستريت»، في تقرير حذر من أن النهج المتطرف نحو انبعاثات كربونية صفرية «محكوم عليه بالفشل»، وأن السياسيين بحاجة إلى مواجهة «حقائق مزعجة».
وصرح متحدث باسم «داونينغ ستريت» بأن الحكومة ستصل إلى «صفر انبعاثات بطريقة لا تتدخل في حياة الناس.. وليس بإملاء كيفية عيشهم أو سلوكهم».
وبينما أقر بوجود «مجموعة من الآراء»، قال مكتب رئيس الوزراء، إنه يرى في «تصفير» الانبعاثات «فرصة اقتصادية هائلة».
وبراون الذي ترك منصبه عام 2010، تحدث بصراحة عن قضايا العدالة الاجتماعية، من خلال تدوينات وكتب ومقالات رأي، وحتى ككاتب في مجلة «نيو ستيتسمان»، بطرق غالباً لا تساعد مشروع ستارمر.
ومن أبرزها دعوته إلى إلغاء الحد الأقصى «القاسي» لإنجاب طفلين، في ما يتعلق بمدفوعات الضمان الاجتماعي الذي يعود إلى عهد المحافظين، وهي وجهة نظر يشاركها العديد من نواب حزب العمال، على الرغم من معارضة الحكومة التي تعاني ضائقة مالية علنية.
إلى ذلك، يصر مطلعون على شؤون حزب العمال على عدم وجود استياء من آراء القادة السابقين. وقال مستشار سابق لحزب العمال، مُنح عدم الكشف عن هويته للتحدث بصراحة: «لا يتوقع زعيم حزب العمال من رؤساء الوزراء السابقين التزام الصمت احتراماً لهم».
ويقول عضو مجلس «اللوردات» في حزب العمال والمستشار السابق لبراون، ستيوارت وود: «لقد كانوا دبلوماسيين، لكن ما يفكرون فيه كان واضحاً تماماً».
الحياة بعد السلطة
وقد يكون الميل للتدخل لدى رؤساء الوزراء البريطانيين السابقين نتيجة للوضع المتردي الذي يُتركون فيه بعد ترك مناصبهم، وفي حين أنهم يتلقون 115 ألف جنيه إسترليني سنوياً مدى الحياة، وحماية أمنية دائمة، ويُتوقع منهم حضور الاحتفالات عند النصب التذكاري، لا توجد مسؤولية رسمية أو ما يعادل مكتبة رئاسية على الطراز الأميركي للترويج لإرث رئيس وزراء سابق.
وقد يشعر القادة السابقون بالتهميش. ويقول وود: «هناك مورد يمكن للبلاد الاستفادة منه بطريقة ما». وتوافقه دان، الرأي قائلة: «لقد خدمنا هؤلاء الأشخاص وخدموا بلادنا بالفعل. لو اختفوا في تقاعد وانعزلوا عن العالم، لكان ذلك خطأ».
وبالنسبة لبعض رؤساء الوزراء لم يعد المسار المعتاد لكتابة مذكراتهم والانضمام إلى دائرة المتحدثين كافياً.
ويقول سيلدون: «لقد ساد لدى رؤساء الوزراء المعاصرين اتجاه لعدم الرغبة في استشارة أسلافهم»، مشيراً إلى أن «القادة غالباً ما يفشلون في تقييم أفعال من سبقوهم في المنصب. إنهم يرون، عن حق، أن خلفاءهم يقعون في الفخاخ نفسها التي وقعوا فيها».
وحتى جون ميجور رئيس الوزراء السابق المحافظ الذي ظل بعيداً عن الأضواء خلال فترة بلير وبراون، عاد إلى الساحة العامة خلال سنوات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
وأصبح ناقداً لاذعاً ومتكرراً لرئيس الوزراء السابق بوريس جونسون. وأخيراً، طالب بتعزيز المعايير البرلمانية لمخالفي القواعد. ولم تستطع تيريزا ماي مقاومة التدخل في أي من الأمرين، وحثّت المملكة المتحدة على العمل لتحقيق انبعاثات صفرية، بينما شهد ديفيد كاميرون عودة سياسية شاملة كوزير للخارجية خلال الأشهر الثمانية الأخيرة من حكومة حزب المحافظين.
أعمال غير منجزة
أما بالنسبة للآخرين، فهناك رغبة في تصفية حسابات قديمة، وشهد كل من جونسون وتراس انهيار رئاستهما فجأة، تاركين الكثير من الأعمال غير المنجزة. ويكتب جونسون أعمدة في صحيفة «ديلي ميل»، ولم يتردد في الانتقاد اللاذع ومهاجمة أجندة ستارمر، بما في ذلك هجوم جديد على سياسته تجاه الشرق الأوسط في الأيام القليلة الماضية.
وتُدلي تراس صاحبة أقصر فترة بين رؤساء الوزراء البريطانيين، برأيها باستمرار على منصة «إكس» حول سياسات ستارمر الاقتصادية، إضافة إلى نهجه في العدالة وحرية التعبير، في الوقت الذي تكافح فيه لإعادة تشكيل إرثها «المشوّه».
وخلال عطلة نهاية الأسبوع، هاجمت زعيمة حزب المحافظين الحالية، كيمي بادينوخ، متهمة إياها بالتقصير في الحديث عن «الإخفاقات الحقيقية لـ14 عاماً من حكومة المحافظين»، وحذرت من أن الحزب نفسه الذي جعل تراس رئيسة للوزراء يواجه الآن «مشكلة خطرة».
إذن ما الذي يجعل تدخل رئيس وزراء سابق فعالاً حقاً؟. يقول بيتر جاست، مؤلف كتاب «مارغريت تاتشر: الحياة بعد داونينغ ستريت»: «يكون تأثيرهم أكبر عندما يكون أقل وضوحاً للعامة». ويضيف جاست أن «التدخلات العلنية قد تكون علامة على أن النصائح المقدمة خلف الكواليس لا تؤخذ بعين الاعتبار». عن «بوليتيكو»
استثناء نادر
يقول المؤرخ أنتوني سيلدون، إن ريشي سوناك، أحدث رئيس وزراء سابق لبريطانيا، يُعدّ استثناء نادراً حيث أدار حياته بعد «داونينغ ستريت» ببراعة. وهو الآن نائب في المقاعد الخلفية، وقد اقتصرت تصريحاته على دعم أوكرانيا ودعم الهند خلال صراعها مع باكستان. ويقسم كتاب سيلدون، رؤساء الوزراء السابقين إلى رجال ونساء دولة، يركزون على «ما إذا كانت الحكومة اللاحقة لأي حزب تُسير الأمور على النحو الصحيح أم الخطأ»، وسياسيين يمثلون «فلسفة عالمية محددة».
من جهته، يقول كيران بيدلي، من شركة استطلاعات الرأي «إبسوس» - والذي يجادل بأن كثرة الإسهامات قد تضعف الرسالة - «إذا كانت لديك استراتيجية وكانت تدخلاتك قليلة، فقد تكون أكثر تأثيراً».
. ميل رؤساء الوزراء البريطانيين السابقين للتدخل غالباً يكون نتيجة للوضع المتردي الذي يُتركون فيه بعد ترك مناصبهم.
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة الامارات اليوم ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من الامارات اليوم ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.