بدأت مدارس عدة خلال المدة الأخيرة بتوزيع إقرارات رسمية على أولياء الأمور، تتضمن خيار الموافقة أو الرفض على تصوير أبنائهم ونشر صورهم في وسائل ومنصات المدرسة الرقمية. هذه الخطوة، التي تبدو إجرائية في ظاهرها، فتحت باب نقاش واسعاً في قضية حساسة تجمع بين التربية، الخصوصية، في ظل تزايد الحضور الرقمي والتغطيات الإعلامية للأنشطة المدرسية.
وبينما يوقّع بعض الآباء من دون تردد على الموافقة، يرفض آخرون بشكل قاطع، بل ويرون الأمر مزعجاً قد يتجاوز حدود المدرسة.
ويؤكد عدد من أولياء الأمور أن رفضهم ينبع من مخاوف حقيقية تتعلق بسلامة أبنائهم النفسية والاجتماعية، وخشيتهم من تسرّب الصور إلى جهات أو منصات غير آمنة.
يقول سلامة القبيسي، ولي أمر ل «الخليج»: «إن الطفل قد لا يدرك مشكلة ظهوره في محتوى متداول على نطاق واسع، بينما تقع المسؤولية الكبرى على الأسرة في حماية خصوصيته. والموافقة على تصوير أبنائي قد تضعهم في دائرة انتقاد أو تنمر لاحقاً ربما، وهو أمر لا أستطيع السيطرة عليه».
وأضاف: هناك أسباب ثقافية واجتماعية تجعل من التصوير أمراً غير مرغوب، خاصة لدى بعض الأسر التي تضع حواجز بين الحياة الخاصة والظهور العام، معتبراً أن المدرسة ليست مكاناً لتصدير صورة الأبناء بقدر ما هي مساحة للتعلم والتنشئة.
يتفق مع القول السابق كل من سيف العامودي، وعدي محمد عبدالله، وفيصل المنهالي «أولياء أمور»، حيث أكدوا أن التصوير في البيئة المدرسية يراه البعض موضوعاً حسّاساً وغير اعتيادي بالنسبة للكثير من الأسر، وأوضحوا أن الصورة ليست مجرد لقطة عابرة بل تمثل جزءاً من الخصوصية التي يحرصون على حمايتها، وأضافوا أن نسبة كبيرة من الأسر لا تحب التصوير بطبيعتها، ولا يفضلون الظهور في الإعلام، أو حتى في صفحات التواصل الاجتماعي، معتبرين أن هذا القرار شخصي تماماً، وأن من حق كل أسرة أن تحدد موقفها من التصوير وفقاً لقناعاتها وظروفها، فهناك من يقبل الفكرة كوسيلة للتوثيق وهناك من يرفضها حمايةً لخصوصية أبنائه
تأثير بعيد المدى
يرى أطباء نفسيون أن التصوير المدرسي للطلبة، قد يحمل آثاراً إيجابية إذا أدير تربوياً واعياً، لكنه قد يتحول إلى عبء إذا أُسيء استخدامه.
تقول الدكتورة مريم الحوسني، أخصائية الطب النفسي للأطفال «ظهور الطفل أمام الكاميرا بتكرار قد يعزز ثقته بنفسه إذا كان مدعوماً بتوجيه سليم، لكنه في المقابل قد يشعره بالضغط والتوتر، خصوصاً إذا صوّر من دون رغبته».
وتضيف أن بعض الطلبة قد يواجهون صعوبة في التكيف مع الانتقادات أو التعليقات التي ترد على صورهم في المنصات الرقمية، ما قد يترك أثراً سلبياً في صورتهم الذاتية. ومن الضروري احترام رغبة الطالب نفسه قبل رغبة ولي الأمر، لأن فرض التصوير من دون موافقته قد يترك أثراً تصعب إزالته في علاقته بالآخرين.
وقالت د. حنان محمود قنديل، أخصائية في قسم الطب النفسي بمستشفى «ميدكير» «الظهور الإعلامي للأطفال قضية تحمل وجهاً مزدوجاً. فيمكن أن يكون محفزاً لبناء الثقة بالنفس وتعزيز الإبداع، إذ يمنح الطفل فرصة لاستعراض مواهبه في مجالات متعددة مثل الفنون أو الرياضة أو حتى الأنشطة الرقمية. لكن الجانب الآخر أكثر تعقيداً، إذ يفتح الباب أمام مخاطر تتعلق بالخصوصية، والضغوط النفسية الناتجة عن المقارنة المستمرة أو السعي وراء الشهرة. وهنا تكمن أهمية دور الأهل في رسم حدود واضحة، بحيث لا يتحول الطفل إلى مجرد أداة لتوليد المحتوى أو مصدر دخل، بل يُعامل كإنسان يحتاج إلى الحماية والتوجيه. نحن نشجع الأسر على إشراف مباشر على حسابات الأطفال، مع الحرص على اختيار محتوى لا يكشف تفاصيل حساسة، وإعطائهم الوقت الكافي ليكون لهم القرار المستقل بشأن هويتهم الرقمية عندما يبلغون سناً مناسباً».
تشير د. كارولين يافي – مستشارة ومعالجة معرفية سلوكية في قسم علم النفس بمركز «ميدكير» الطبي – جميرا «عندما يُستبعد الطفل من الأنشطة الإعلامية داخل المدرسة، فإن رد فعله يتأثر بعوامل كثيرة منها عمره وشخصيته ودرجة وعيه. قد يشعر في البداية بالاستغراب، لكن مع تقدمه في العمر قد يتحول الأمر إلى إحساس بالتمييز أو النقص، خاصة إذا لاحظ أن زملاءه يحظون بالاحتفاء عبر الصور والفيديوهات بينما هو يبقى خارج المشهد».
وأوضحت «هذه التجربة قد تؤثر في شعوره بالانتماء وتفاعله مع أقرانه. ومع ذلك، يجب عدم حسبان هذه الآثار قدراً محتوماً. فالمدرسة والأسرة معاً تستطيعان إعادة صياغة التجربة لتكون أقل إيلاماً وأكثر إيجابية، عبر بدائل عملية مثل تكريم الطفل بطرائق غير إعلامية، أو منحه أدواراً قيادية وتنظيمية خلف الكواليس، ما يعزز شعوره بأنه جزء فاعل من المجموعة. ما نحتاج إليه هو تواصل صريح مع الطفل وشرح واضح للأسباب، سواء كانت دينية أو ثقافية أو شخصية، وبأسلوب يتناسب مع عمره، حتى لا يُترك المجال للتأويل السلبي».
مشاعر مسموعة
وقالت د. سريفيديا سرينيفاس، أخصائية علم النفس السريري للأطفال والمراهقين في مركز «ميدكير» الطبي «من منظور نفسي سريري، استجابة الطفل للاستبعاد من الظهور الإعلامي تعتمد إلى حد كبير على الطريقة التي يُدار بها الموقف. إذا شعر بأن مشاعره مسموعة ومُعترف بها، وحصل على تفسير يتناسب مع مستواه العمري، فإن حدة الضيق تتراجع، ويصبح أكثر قدرة على التكيف. بل إن هذه التجربة قد تُزرع بداخله قيمة عميقة تتعلق بقدسية الخصوصية وحدودها، وهو ما ينعكس لاحقاً على استقلاليته ونضجه النفسي».
وتضيف «في المقابل، إذا تُرك الطفل في حالة غموض أو تجاهل، قد يترسخ لديه شعور بالحرمان أو العزلة. لهذا من الضروري أن تعمل المدرسة والوالدان معاً على إيجاد بدائل للاحتفاء، مثل تكليفه أدواراً مسؤولة أو تنظيم فعاليات خاصة تُظهر له قيمته بعيداً من الظهور العلني. الرسالة الأساسية التي يجب أن تصل إلى الطفل هي أن قيمته لا تُقاس بعدد الصور أو المتابعين، بل بقدراته ومساهماته وصفاته الشخصية. هذه القناعة تمنحه أساساً صحياً لبناء هويته المستقبلية، بعيداً عن الاعتماد على الضوء الخارجي».
التصوير أداة داخلية
من جانب آخر، يرى عدد من المعلمين أن للصور دوراً أساسياً في توثيق الأنشطة وإبراز إنجازات الطلبة، لكنها يجب أن تبقى أداة داخلية أكثر من كونها مادة للتسويق للأنشطة.
يقول سالم المرزوقي، مُعلُم في إحدى المدارس الخاصة بدبي: الصور تساعدنا على تحفيز الطلبة وإشراك أولياء الأمور في الحياة المدرسية، لكنها قد تتحول إلى عبء إذا استُخدمت خارج سياقها التعليمي.
وبعض المدارس قد تندفع لاستخدام الصور في الحملات الترويجية أو منصات التواصل، وهو ما يثير حفيظة أولياء الأمور الذين يفضلون بقاء حياة أبنائهم بعيدة عن أعين الناس. وهنا يأتي دور المدرسة في عمل إقرارات الموافقة حيث تلزم أولياء الأمور بالتوقيع عليها في حال كان موافقاً على التصوير أم لا، لاسيما بعد وجود حالات من الاعتراض والمساءلة القانونية فالمدرسة تخلي مسؤوليتها».
وفي تعميم لإحدى المدارس اطلعت «الخليج» على نسخة منه هذا نصه: «السادة أولياء الأمر الكرام، نود إعلامكم بأنه سيستخدم التصوير لأغراض داخلية فقط ضمن أنشطة المدرسة. وفي حال عدم رغبتكم بتصوير ابنكم/ابنتكم، يرجى إرسال رسالة إلى إدارة المدرسة تتضمن:
اسم الطالب/ة، الصف الدراسي، عبارة «لا أرغب بتصوير ابني/ابنتي».
يقول محمد عادل إبراهيم – مُعلّم «لا يمكن إنكار أن الصورة أداة تعليمية فعّالة، فهي توثّق لحظات التفاعل بين الطلبة والمعلمين، كما تمنح الطالب شعوراً بالفخر حين يرى نفسه مشاركاً في نشاط ما. والاستخدام المفرط للصور خارج نطاقها التربوي قد يضر أكثر مما ينفع. والمدرسة ينبغي أن توازن بين حقها في التوثيق الأكاديمي وحق الأسرة في الخصوصية. وهناك بدائل كثيرة لمشاركة الإنجازات مثل إصدار نشرات مدرسية مطبوعة أو إلكترونية، أو تنظيم معارض تعرض صور الأنشطة داخل المدرسة فقط، دون الحاجة إلى نشرها على المنصات العامة».
الطلاب
يعيش بعض الطلبة أنفسهم مواقف متباينة تجاه هذه القضية. فبينما يرى بعضهم أن التصوير يمنحهم شعوراً بالفخر ويجعلهم نجوماً أمام زملائهم، يصف آخرون التجربة بأنها محرجة أو مزعجة بحسب وصفهم.
تقول ماجدة عبدالله، في المرحلة الإعدادية عبر إحدى المنصات الرقمية: إنها تحب أن تُوثق مشاركاتها في المسرح المدرسي بالصور، لكنها لا ترغب في نشرها على حسابات المدرسة العامة لأنها تفضل مشاركتها مع عائلتها فقط.
في المقابل، يروي طالب عاصم أحمد سلام: «والدي رفض التوقيع على إقرار التصوير، ما أشعرني بالاستبعاد عندما التقطت المدرسة صورة جماعية لم تُنشر صورتي فيها، ما ولّد لدي إحساساً بالحرمان من المشاركة الكاملة».
وتكشف هذه المواقف أن القضية لا تنعكس على أولياء الأمور فقط، بل تترك بصمة مباشرة على نفسية الأبناء أنفسهم.
ضوابط واضحة
شدّد خبراء تربويون على ضرورة وجود ضوابط واضحة لعملية التصوير المدرسي، بحيث تضمن حق المدرسة في توثيق فعالياتها، وحق الأسرة في حماية أبنائها. ويقترح بعضهم وضع نظام داخلي يحدد نوع الصور المسموح نشرها (مثل الصور الجماعية) والحدّ من نشر الصور الفردية من دون موافقة خاصة. كما يدعون إلى ضرورة تثقيف الطلبة أنفسهم حول معنى الخصوصية والحقوق الرقمية، حتى يصبحوا أكثر وعياً بما يترتب على ظهورهم الإعلامي.
تقول د. شاكيل أجنيو، أستاذ مشارك في علم النفس بكلية العلوم الاجتماعية بجامعة هيريوت وات دبي «يحرص كثير من الآباء اليوم على حماية أبنائهم من الظهور على مواقع التواصل، وهو حرص نابع من إدراكهم العميق لحجم المخاطر التي قد ترافق الاستخدام الرقمي غير المنضبط. فبينما تحمل هذه المنصات مزايا واضحة مثل تعزيز التواصل الاجتماعي، وتوثيق الإنجازات، ومشاركة اللحظات العائلية، إلا أنها في الوقت ذاته تفتح الباب أمام تحديات تتعلق بفقدان الخصوصية، أو التعرض للتنمر الإلكتروني، أو مواجهة محتوى غير مناسب لسن الطفل». ولا يمكن إغفال دور القيم والعادات الاجتماعية في تشكيل هذا القرار، فبعض الأسر ترى أن الخصوصية خط أحمر يستوجب تقليل الحضور الرقمي للأطفال إلى الحد الأدنى، بينما يميل آخرون إلى السماح بالمشاركة كونها وسيلة للتواصل.
من هذا المنطلق، يظل دور المدارس محورياً في تحقيق التوازن، إذ ينبغي أن تُبنى سياساتها على احترام هذه المخاوف المشروعة، بطلب موافقات واضحة من أولياء الأمور، وتوفير بدائل آمنة ومرنة تسمح للأطفال بالمشاركة من دون المساس بحقهم في الخصوصية.
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة صحيفة الخليج ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من صحيفة الخليج ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.