يُعد فيلم «وان باتل آفتر أناذر - معركة تلو الأخرى»، للمخرج بول توماس أندرسون، حدثاً سينمائياً بارزاً لعام 2025، وعودة سينمائية مظفرة للنجم ليوناردو ديكابريو، ولا تنحصر ميزته فقط في الرؤية الفنية المستلهمة من رواية «Vineland» لتوماس بينشون، وإنما أيضاً في الأثر التجاري في شباك التذاكر العالمي.
يمثل الفيلم تقاطعاً مثالياً بين البعد الفني والبعد التجاري، فهو من جهة يعيد طرح الأسئلة الكبرى حول الثورة، والهوية، والعائلة، ومن جهة أخرى يثبت أنّ السوق السينمائية العالمية مازالت تستوعب الأفلام الفكرية، متى ما قُدّمت بصيغة جاذبة، وبذلك، يرسّخ أندرسون مكانته كأحد أبرز صانعي الأفلام القادرين على المزاوجة بين السينما بوصفها فناً والسينما بوصفها صناعة.
اعتمد أندرسون على سرد متقطع يتنقّل بين الماضي والحاضر، ليبرهن على أنّ التاريخ يفرض حضوره الدائم في حياة الأفراد، هذا التشظي الزمني يُترجم على الشاشة من خلال قفزات درامية تُظهر استحالة الانفصال عن ذاكرة الثورة.
يتمحور الفيلم حول بوب فيرغسون (ليوناردو ديكابريو)، الذي يعيش انقساماً داخلياً بين دوره كثائر سابق ودوره كأب، حضور ابنته ويلا يرمز إلى عبء الإرث الثوري الذي ينتقل عبر الأجيال، وهو ما يجعل الخط الدرامي متجاوزاً لحدود الحكاية الشخصية إلى مسألة الهوية السياسية في بعدها الأسري.
شخصية الكولونيل لوكجاو (شون بن) تجسّد العنف المؤسسي الذي لا ينحصر في المواجهة العسكرية، بل يمتد إلى أشكال السيطرة الرمزية والثقافية، وفي هذا السياق يُقرأ الفيلم في ضوء تحليلات ميشيل فوكو للسلطة، بوصفها شبكة من الممارسات والخطابات، لا مجرّد أداة قمعية مباشرة.
وظّف أندرسون لغة بصرية متناقضة، تجمع بين مشاهد أكشن متفجرة ولحظات صمت وتأمل، لتجسيد فكرة أنّ المعركة ليست فقط في الميدان، بل أيضاً في الذاكرة والوعي. الموسيقى التصويرية التي أعدّها جوني غرينوود تضيف طبقة دلالية، تعكس الصراع بين التوتر الخارجي والانكسار الداخلي للشخصيات.
إلى جانب قيمته الفنية، شكّل الفيلم استثماراً اقتصادياً ضخماً بميزانية راوحت بين 130 و175 مليون دولار، ما وضعه ضمن الإنتاجات الهوليوودية الكبرى لهذا العام. وحقق في عطلة افتتاحه الأسبوع الماضي إيرادات تجاوزت 22 مليون دولار في أميركا، وبلغت مداخيله العالمية نحو 48.5 مليون دولار خلال الأيام الأولى، في مؤشر على قدرة الفيلم على الجمع بين العمق الفني والجاذبية الجماهيرية. هذا النجاح يؤكد أنّ الأفلام ذات الطابع الفكري والسياسي قادرة على تحقيق مردود تجاري، إذا ما قُدّمت ضمن قالب بصري مشوّق وأداء تمثيلي رفيع المستوى.
حصد الفيلم إشادات واسعة من النقاد، وصلت نسبتها إلى 98% من المراجعات الإيجابية على المنصات المتخصصة. وقد أشادوا بأداء ديكابريو وشون بن، وبالإخراج الذي يمزج الملحمة بحس إنساني مميز. ورغم بعض الملاحظات على طول الفيلم وتعدّد شخصياته، إلا أنّ غالبية القراءات النقدية اعتبرته إضافة نوعية لمسيرة أندرسون وللسينما السياسية المعاصرة.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة الامارات اليوم ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من الامارات اليوم ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.