العاب / IGN

مراجعة سوار

في عامٍ تتزايد فيه المشاريع السينمائية ، يأتي “سوار” كمحاولة جادة لاستلهام واحدة من أكثر القصص الواقعية ألمًا في ذاكرة المجتمع المحلي: قصة الطفلين اللذين تم تبديلهما في مستشفى بنجران دون علم عائلتيهما، وعاش كل منهما لسنوات في بيت لا يمت له بصلة سوى الخطأ.

الفيلم، الذي تولّى إخراجه أسامة الخريجي، يملك من النية الصادقة ما يُحسب له منذ لحظة انطلاقه. الاختيار لعرض هذا العمل ضمن مهرجان أفلام السعودية لم يكن من باب المجاملة، بل لكونه يقدم نغمة مختلفة، يخرج فيها عن التنميط الاستهلاكي، ويسعى إلى شيء أعمق: أن ينقل تجربة إنسانية حقيقية، لا من باب المتعة، بل من باب المواجهة.

لكن رغم هذه النوايا، فإن النتيجة ليست دائمًا على قدر الحكاية.

منذ المشاهد الأولى، يمكن للعين أن تلتقط ذلك الجهد الكبير المبذول في تقديم ثقافة نجران المحلية. من الأزياء واللهجات، إلى تفاصيل الأعراس والمجالس، نجح فريق العمل في تقديم صورة بصرية ثرية تعكس النجرانية بكثير من الاحترام والفهم. كان من السهل أن يقع المخرج في فخ الفولكلور المزيف، لكن الوضوح في الاختيارات يشير إلى استشارة دقيقة وإشراف فني واعٍ. بل ويمكن القول إن أبرز ما يقدمه الفيلم هو هذا الامتزاج المحبّ بين المكان والإنسان، وخصوصًا حين يُشكر المخرج على تقديمه مدينة نجران بجمالها غير المألوف في المحلية.

كذلك، لا يمكن إنكار أداء الممثلين، خصوصًا سارة البهكلي، التي جسدت دور الأم بحسّ داخلي صادق لا يحتاج إلى كلمات كثيرة، وجعلت كل لحظة صمت تحمل وزنًا دراميًا. إلى جانبها، كان الأداء العام للفريق ثابتًا، وخصوصًا الطفل عمر الجريد، الذي وفّر لحظات من الكوميديا الذكية وسط حكاية جادة، دون أن يكسر الإيقاع أو يخرج من السياق.

كذلك، من بين التفاصيل الإنسانية الجميلة التي لا يمكن التغافل عنها كانت علاقة الطفل عمر الجريد بعمه في الفيلم، والتي جسدها الممثل خالد صقر ببساطة مؤثرة. هذه العلاقة لم تكن مجرد عنصر سردي مساعد، بل شكّلت مساحة من الحنان الفطري والتماهي العاطفي، خاصة في ظل غياب التوازن داخل العائلة. المشاهد التي جمعت بينهما كانت من بين الأكثر صدقًا، حيث عكست كيف يمكن لقلب طفل أن يجد طمأنينته في حضن عمه، بعيدًا عن الفوضى العاطفية التي ولّدتها الكارثة الأساسية. خالد صقر قدّم أداءً محكمًا دون أن يفرض نفسه على المشهد، بل كان داعمًا حقيقيًا لرحلة الطفل، وشريكًا في بناء لحظة من الأمل داخل هذا الاضطراب الهادئ.

لكن هنا تكمن المفارقة: حين تُصبح هذه العناصر المتقنة قناعًا يُغطي ضعفًا في نقاط أخرى أكثر جوهرية.

على الرغم من أن الفيلم يستند إلى واقعة ذات عمق درامي شديد، إلا أن المعالجة السردية جاءت أقرب إلى التوثيق الهادئ منها إلى الدراما المتفجرة. ففي فيلم كهذا، تتوقع أن ترى كيف تتبدل حياة الأطفال بعد اكتشاف الحقيقة، كيف تنهار المفاهيم الأولى لديهم، كيف يواجه كلٌّ منهم صدمة الانتماء، واللغة، والبيئة، والأسرة. بدلاً من ذلك، اختار الفيلم أن يمرّ على ذلك كله مرورًا خفيفًا، وكأن ما حدث ليس مأساة، بل فصل آخر في دفتر الحياة اليومية.

أسوأ ما يمكن أن يواجه عملًا مبنيًا على قصة حقيقية هو أن يبدو سطحيًا في انفعاله. في “سوار”، لا نشهد الحزن الحقيقي. لا نرى العائلات تنهار. لا نسمع الصراخ الداخلي أو حتى لحظة التمزق. تُترك الصدمة الكبرى، وهي تبديل الهوية والانتماء، بلا ما يقابلها من تفكيك شعوري أو بناء درامي.

ثم هناك ذلك المشهد الطويل للعرس. رغم ما يحمله من جمالية بصرية وتعبير بصري صادق عن هوية نجران، إلا أنه بدا كاستعراضٍ خارج الزمن، قطع سريان القصة وأخذ وقتًا كان من الأفضل أن يُمنح للشخصيات والصراع النفسي. ليست المشكلة في المشهد نفسه، بل في توقيته ومقدار ما أخذ من وقت على حساب الحبكة.

والأدهى من ذلك كله: كيف لفيلم اسمه “سوار” ألا يبدأ بالسوار؟ ألا يجعله مفتاح الحكاية، والمحرّك الأول للأحداث؟ السوار – تلك القطعة الصغيرة التي كانت سبب التبديل – لم يحظَ بما يكفي من حضور رمزي أو حتى بصري، ما يُعدّ فرصة ضائعة كانت لتُصبح خيطًا فنيًا ذكيًا يحمل دلالة الحادثة برمّتها.

الفيلم أراد أن يقدّم قصة إنسانية بصوت خافت، لكنه خفت أكثر مما ينبغي. ومن المؤسف أن الغياب الأكبر كان لتصعيد الانفعالات، لا على مستوى الكتابة ولا الإخراج. لعل الرغبة في الالتزام بالهدوء الواقعي طغت على الحاجة لصوت داخلي مفجوع، لصورة تعكس الانكسار، لا فقط تتجاوزه.

مع ذلك، فإن وجود فيلم كهذا، بهذه النوايا والإخراج الدقيق للمكان، والتمثيل القوي، هو أمر يستحق الاحتفاء. صناعة السينما السعودية ما زالت في مرحلة تشكل، والتجارب التي تجرؤ على الدخول في قضايا واقعية شائكة – دون أن تحوّلها إلى ميلودراما رخيصة – نادرة وتُقدّر.

لكن ما يحتاجه هذا النوع من الأفلام ليس فقط أن تُروى القصة، بل أن تُلمس. أن تصل للمُ وتجعله يقف مذهولًا من ثقل ما حدث. أن يعيش الصدمة، لا أن يسمع بها. "سوار" بدأ من مكان صحيح، لكن كان بإمكانه أن يذهب أبعد… بكثير.

فيلم "سوار" هو خطوة جريئة ومهمة في تقديم قصة محلية حقيقية، بإخراج بصري جميل وأداء تمثيلي مُقنع، خصوصًا من سارة البهكلي والطفل عمر الجريد الذي أضفى توازنًا بين الجدية والكوميديا. إلا أن ضعف المعالجة الدرامية وغياب التوتر الحقيقي أضعف من تأثير الفيلم، وجعل من حكايته الكبيرة عملًا محدوداً في وقعه. “سوار” عملٌ يستحق المشاهدة، ويستحق أيضًا النقد، لأنه يفتح بابًا مهمًا في السينما السعودية، ويُذكّرنا أن السرد الواقعي لا يكتمل إلا حين يتقاطع مع المعالجة الدرامية… وإلا، لماذا نصنع فيلماً

ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة IGN ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من IGN ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.

قد تقرأ أيضا