منذ اللحظات الأولى لفيلم Weapons يتضح أن المخرج زاك كريجر يعرف بالضبط كيف يسيطر على حواس المشاهد. الافتتاحية وحدها كفيلة بجذب الانتباه، ليس فقط من خلال الصورة البصرية المحكمة، بل من خلال الإيقاع الذي يضعك مباشرة في قلب القلق. كريجر يفتتح فيلمه بأسلوب بصري ذكي، حيث يمزج اللقطات الواسعة التي تحمل إحساسًا بالمسافة والعزلة مع لقطات قريبة تخنق المجال البصري، ليجعلنا نشعر أننا محاصرون داخل أجواء القصة قبل أن نفهم حتى تفاصيلها.
مشهد جري ضحايا الخالة غلاديس سيبقى عالقًا في مخيلتي لفترة طويلة، فهو من اللحظات التي تختزل قوة الرعب البصري وقدرته على ترسيخ صورة لا تُمحى.
هذه البداية المميزة ليست مجرد تمهيد للأحداث، بل هي بيان واضح عن هوية العمل: فيلم يوازن بين الرعب النفسي والكوميديا السوداء، ويعرف متى يبطئ الإيقاع ومتى يضغط على أعصابك بلا رحمة. الإخراج هنا ليس مجرد وسيلة لنقل النص إلى الشاشة، بل أداة لخلق حالة شعورية مكثفة، تتصاعد تدريجيًا حتى تتركك مشدود الأعصاب ومتيقظًا لكل تفصيلة.
واحدة من أبرز نقاط قوة الفيلم هي المزج بين الرعب وحس الدعابة السوداء. هذه الكوميديا ليست مجرد نكتة عابرة أو محاولة لكسر التوتر، بل هي جزء من نسيج الفيلم نفسه. في لحظات معينة، تشعر أنك تبتسم أو حتى تضحك، لكن سرعان ما تتغير النبرة وتعود إلى حالة الترقب والقلق. هذا التلاعب بالمشاعر يُبقي المشاهد على حافة المقعد، وهو أمر لا يتحقق إلا عندما يكون المخرج واثقًا تمامًا من أدواته.
من الناحية السردية، الفيلم لا يخلو من الفجوات. هناك لحظات تشعر فيها أن بعض الخيوط السردية كان يمكن أن تُربط بإحكام أكبر، خاصة في النصف الثاني. النهاية أيضًا قد تثير الجدل؛ فهي ليست الصدمة الكاملة التي قد يتوقعها البعض بعد هذا البناء الطويل، وقد يرى البعض أنها تميل إلى الطابع الرمزي أكثر من الحسم الدرامي. لكن على الرغم من هذه الملاحظات، فإن التجربة الكاملة تبقى ممتعة ومؤثرة، لأن الفيلم نجح في أهم ما يسعى إليه أي عمل غموض ورعب: أن يجعلك تشعر بعدم الارتياح.
لم يُكشف لنا الغرض الحقيقي للخالة غلاديس في التحكم بضحاياها، ولا طبيعة الطقوس والسحر الذي تمارسه، لكن يمكنني تقبّل هذه الفجوة لأن الغموض هو المحرك الأساسي لأغلب مراحل الفيلم، بل هو جزء من بنيته التي تعتمد على ترك مساحة للتأويل.
هذا الإحساس بعدم الارتياح والقلق ليس نقصًا أو خطأ، بل هو جزء من نجاح الفيلم. شخصيًا، تصنيف الرعب ليس من أنواعي المفضلة، لكن Weapons منحني شعورًا غريبًا بالرضا لأنني خرجت من القاعة وأنا أحمل ذلك التوتر في داخلي. المشاهد التي لا تمنحك إجابات كاملة، واللقطات التي تترك مساحة لعقلك ليملأ الفراغات، كلها عناصر ساعدت على تكوين تجربة فريدة. كريجر فهم أن الرعب لا يتعلق فقط بما تراه، بل بما تشعر به بعد المشاهدة.
على صعيد الأداء التمثيلي، الفيلم يتميز بطاقم قوي يضم جوليا قارنر، التي تقدم واحدًا من أكثر أدوارها عمقًا وتوازنًا بين الهدوء والانكسار من جهة، والقوة الداخلية من جهة أخرى. قارنر لديها قدرة نادرة على نقل مشاعر متناقضة في نفس اللحظة، وهو ما يتناسب تمامًا مع طبيعة الفيلم التي تعتمد على الإرباك العاطفي. إلى جانبها، يقدم بقية فريق العمل أداءً متماسكًا يدعم الحالة العامة للفيلم، مع شخصيات مرسومة بعناية حتى وإن لم تحظَ جميعها بمساحات متساوية.
الموسيقى التصويرية والتصميم الصوتي يلعبان دورًا كبيرًا في تعزيز الإخراج. هناك مشاهد يترك فيها كريجر الصمت ليتحدث، ثم يعيده فجأة بتأثير صوتي يرفع منسوب التوتر. هذا الاستخدام الذكي للصوت يكمّل الصورة ويمنح المشاهد تجربة حسية شاملة. أما الإضاءة، فتمزج بين الظلال الثقيلة والأنوار الحادة لإبراز التناقض بين ما نراه وما نخشى أن نراه.
ما يجعل Weapons مميزًا هو أنه لا يحاول إرضاء المشاهد التقليدي، بل يسعى إلى صناعة تجربة تتجاوز الإشباع اللحظي. لا يعتمد على القفزات المفاجئة (Jump Scares) بشكل مبالغ فيه، بل يختار بدلاً من ذلك بناء جو متراكم من الخوف والريبة. كل مشهد يخدم هذه الغاية، حتى تلك التي تبدو بسيطة أو عابرة، فهي جزء من لعبة الإخراج التي تجعلك تتساءل طوال الوقت عن الغرض منها.
ومع أن الفيلم قد لا يقدم إجابات واضحة على كل الأسئلة التي يطرحها، إلا أن هذه السمة نفسها تضيف إلى إحساس الغموض الذي يميز التجربة. في عالم السينما، ليس كل شيء بحاجة إلى شرح مباشر، وأحيانًا يكمن جمال العمل في ما يتركه للمشاهد ليكمله بنفسه.
في النهاية، Weapons هو عمل يثبت أن الإخراج المتمكن يمكنه أن يحول قصة غير مكتملة إلى تجربة سينمائية متكاملة على مستوى الشعور. هو فيلم لا يكتفي بأن يُشاهد، بل يُعاش لحظة بلحظة. قد تخرج منه وأنت تتساءل عن بعض التفاصيل، لكنك ستتذكر بالتأكيد الإحساس الذي تركه فيك، وهذا هو المعيار الحقيقي لنجاح أي فيلم غموض ورعب.
يمنحنا فيلم Weapons توليفة متوازنة تجمع بين الرعب والكوميديا السوداء، مدعومة بإخراج بارع وأداء مميز تتصدره جوليا قارنر. ورغم ما يشوبه من بعض الثغرات السردية ونهاية قد تنقسم حولها الآراء، فإنه يبرع في غرس شعور دائم بالتوتر والقلق، محققًا جوهر ما يُنتظر من أي عمل ينتمي لعالم الغموض والرعب.
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة IGN ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من IGN ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.