29 أبريل 2025, 4:15 مساءً
منذ إطلاق رؤية المملكة 2030، شهد الاقتصاد السعودي تحوُّلًا جذريًّا نحو التنوُّع والاستدامة؛ حيث أصبحت الرؤية خارطة طريقٍ لمستقبلٍ يعتمد على الابتكار وتقليل الاعتماد على النفط، من خلال ثلاثة محاور رئيسية: مجتمع حيوي، واقتصاد مزدهر، ووطن طموح.
وقد أظهرت الأرقام في التقرير السنوي لرؤية 2030 لعام 2024 أبرز الإنجازات، إلى جانب التحديات التي لا تزال قائمةً أمام المملكة لتحقيق أهدافها الطموحة.
المحور الاقتصادي: تنوُّع واستدامة
يُعدُّ المحور الاقتصادي الركيزة الأساسية لرؤية 2030؛ حيث يسعى إلى تقليل الاعتماد على النفط تدريجيًّا عبر تطوير قطاعاتٍ متنوِّعةٍ مثل الصناعة، والتقنية، والسياحة، والترفيه، وتوطين الوظائف، ويعتمد هذا التحوُّل على تمكين القطاع الخاص، وجذب الاستثمارات؛ مما يسهم في خلق فرص العمل، وتحسين مستوى المعيشة وتعزيز حيوية المجتمع.
في تقرير 2024، أظهرت الأرقام نموًّا ملحوظًا في التنوُّع الاقتصادي؛ حيث سجَّل الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي نموًّا بنسبة 3.9% ليصل إلى 2.55 تريليون ريال، في حين ارتفعت مساهمة القطاع غير النفطي في الناتج المحلي إلى 51%، وهو أعلى مستوى تاريخيّ.
كما شهد القطاع الخاص نموًّا غير مسبوق؛ حيث بلغت مساهمته في الناتج المحلي 47%، متجاوزًا هدف الرؤية البالغ 46%؛ مما يعكس تقدُّمًا ملموسًا في قيادة النمو الاقتصادي.
الاستثمار الأجنبي: خطوة نحو المستقبل
من أبرز النقاط في التقرير "تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر"، التي بلغت 77.6 مليار ريال في عام 2024؛ مما يعكس تحسنًا كبيرًا في بيئة الأعمال السعودية، وقد جعلت هذه التدفقات المملكة تحتل المرتبة السادسة عالميًّا بين دول مجموعة العشرين من حيث حجم الاستثمارات كنسبةٍ من الناتج المحلي؛ مما يعكس التقدُّم الكبير في جذب الاستثمارات الأجنبية.
بالإضافة إلى ذلك، شهدت المملكة زيادةً ملحوظةً في عدد الشركات العالمية التي افتتحت مقراتٍ إقليميةً لها؛ حيث بلغ عددها 571 شركة بنهاية 2024، متجاوزةً هدفها المتمثل في 500 مقر إقليمي؛ مما يُبرهن على نجاح السياسات الاقتصادية في تعزيز مكانة المملكة كمركزٍ استثماريٍّ إقليميّ.
سوق العمل: بطالةٌ منخفضةٌ وفرصٌ جديدة
أحد أبرز مؤشرات النجاح التي حققتها المملكة في 2024 هو انخفاض معدل البطالة بين السعوديين إلى 7%، وهو ما يعكس تأثير الإصلاحات الاقتصادية والإجراءات التي تمَّ اتخاذها، مثل برامج تدريب وتأهيل المواطنين، وهذا المعدل هو الأدنى في تاريخ المملكة؛ ما يُثبت أن التحوُّلات التي شهدتها سوق العمل بدأت تؤتي ثمارها.
ومع ذلك، يبقى التحدي في كيفية الاستفادة من هذا النجاح من خلال تطوير بيئةٍ تعليميةٍ وتدريبيةٍ تواكب القطاعات المستقبلية، مثل التقنية، والصناعة المتقدِّمة، والابتكار.
من جهةٍ أخرى، حققت المرأة السعودية تقدُّمًا ملحوظًا في مشاركتها بسوق العمل؛ حيث سجَّلت حضورًا قويًّا في مختلف القطاعات؛ مما يعكس نجاح المملكة في تعزيز مبدأ المساواة في الفرص.
ورغم هذه الإنجازات، تظل الحاجة قائمةً لتوفير المزيد من التدريب في تخصُّصات المستقبل مثل العلوم والتقنيات الحديثة؛ لضمان أن تظل المرأة جزءًا فاعلًا في المسيرة التنموية للمملكة.
استقرار الأسعار والاقتصاد الكلي
سجَّلت معدلات التضخُّم في المملكة استقرارًا ملحوظًا عند 1.7% بنهاية عام 2024؛ ما يُعدُّ من أدنى النِّسَب بين دول مجموعة العشرين؛ مما يعكس نجاح السياسات الاقتصادية في ضبط الأسعار والحفاظ على القوة الشرائية.
في نفس الوقت، واصل مؤشر مديري المشتريات (PMI) للقطاع الخاص غير النفطي ارتفاعه، مسجِّلًا 58.1 نقطة في الربع الرابع من العام، وهو أعلى مستوى له؛ مما يشير إلى زخمٍ قويٍّ في أنشطة التصنيع وزيادة الطلب المحلي.
تُظهر هذه المؤشرات الاقتصادية الإيجابية اقتراب المملكة من تحقيق معظم أهداف رؤية 2030 المرحلية، مع إتمام 93% من مستهدفات العام التاسع، ويؤكد التقرير أن مسار التنويع الاقتصادي واستدامة الإصلاحات قد أسس لقاعدةٍ صلبةٍ تدعم آفاق النمو المستدام في السنوات القادمة.
التحديات المستقبلية: رغم النجاحات، ما زال الطريق طويلًا
على الرغم من الإنجازات التي حققتها المملكة، يبقى الطريق نحو اقتصادٍ متنوِّعٍ ومزدهرٍ مليئًا بالتحديات، ففي حين أن نمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 1.3% في 2024 يُعدُّ نموًّا إيجابيًّا، إلا أن هذا الرقم يبقى أقل من المتوقع لاقتصادٍ بحجم الاقتصاد السعودي، خاصةً مع الإمكانات الكبيرة التي تمتلكها المملكة.
كما أن النمو في القطاع غير النفطي بنسبة 3.9% يُعدُّ إنجازًا، لكنه يُثير تساؤلاتٍ حول قدرة القطاعات المتنوعة على تحقيق نموٍّ أكبر وأكثر استدامة بعيدًا عن الدعم الحكومي الكبير والاستثمار العام.
ورغم الجهود المبذولة لتقليل الاعتماد على النفط، لا يزال يشكِّل تحديًا كبيرًا؛ حيث تُمثل إيرادات النفط جزءًا كبيرًا من موازنة المملكة؛ مما يجعلها عُرضة لتقلبات أسعار النفط العالمية.
ورغم الزيادة الكبيرة في الإيرادات غير النفطية بنسبة 171% منذ عام 2016، فإن استدامة النمو الاقتصادي لا تزال تعتمد بشكلٍ كبيرٍ على قدرة المملكة في ضمان استمرارية تلك الإيرادات.
تنوُّعٌ اقتصاديٌّ واعد.. لكن التحديات قائمة
رغم ارتفاع مساهمة الأنشطة غير النفطية إلى أكثر من نصف الناتج المحلي الإجمالي، تظل التساؤلات قائمةً حول عُمق هذا التنوُّع الاقتصاديّ.
يبدو أن النمو الحالي متركّز بشكلٍ أساسيٍّ في القطاعات الخدمية، مثل السياحة والترفيه، بينما تحتاج قطاعات إستراتيجية أخرى مثل الصناعة والتكنولوجيا المتقدّمة إلى مزيدٍ من الوقت والدعم لتطوير قدراتها، ولتحقيق اقتصادٍ سعوديٍّ متوازنٍ ومستدام، سيكون من الضروري الاستمرار في تحفيز المشروعات الابتكارية، وتعزيز الاستثمارات في البنية التحتية الإنتاجية.
أما فيما يتعلق بسوق العمل، ورغم الانخفاض الكبير في معدلات البطالة، يبقى التحدي الأكبر في توفير فرص عملٍ نوعيةٍ تلبي تطلعات الشباب السعوديين المتزايدة، فضلًا عن تعزيز حضورهم في قطاعات التقنية والعلوم.
وعلى الرغم من تجاوز مستهدفات الرؤية في خفض البطالة، تظل الحاجة ماسَّةً إلى الاستثمار المستمر في برامج التدريب والتعليم المهني؛ لضمان مواءمة مخرجات التعليم مع متطلبات سوق العمل المتطور.
وبشكلٍ عام، تعكس المؤشرات الاقتصادية في ختام العام التاسع لرؤية 2030 تقدُّمًا نوعيًّا لافتًا، إلا أن المحافظة على هذا الزخم وتحويله إلى نموٍّ حقيقي ومستدام تتطلب مواصلة الإصلاحات وتحفيز الإنتاجية في مختلف القطاعات الحيوية.
التحديات الرئيسية أمام المسار الاقتصادي لرؤية 2030
رصد التقرير السنوي لرؤية 2030 مجموعةً من التحديات التي تواجه المحور الاقتصادي، مشيرًا إلى احتمال ظهور تحدياتٍ أخرى في المستقبل، أبرز هذه التحديات تشمل:
تعزيز دور القطاع الخاص: على الرغم من ارتفاع مساهمة القطاع الخاص إلى 47% من الناتج المحلي الإجمالي، إلا أن بناء اقتصادٍ مستدامٍ يعتمد على هذا القطاع يتطلب تحسين البيئة التشريعية والبيروقراطية، وتسهيل إجراءات تأسيس الشركات، ودفع التحوُّل الرقمي، وتوسيع نطاق التمويل للشركات الصغيرة والمتوسطة.
مخاطر التقلبات الاقتصادية الخارجية: لا يزال الاقتصاد السعودي عُرضةً للصدمات العالمية، مثل تقلُّبات أسعار النفط، والتوترات الجيوسياسية، والتي أثَّرت سلبًا على النمو، كما حدث في انكماش الناتج المحلي بنسبة 0.8% في 2023، ومن هنا تبرز الحاجة إلى تعزيز الاحتياطيات المالية، وتطوير مصادر الإيرادات غير النفطية.
توازن سوق العمل وتلبية متطلبات المستقبل: رغم الانخفاض الكبير في معدل البطالة، يظل التحدي الأبرز في مواءمة مهارات الكوادر الوطنية مع احتياجات سوق العمل المستقبلي؛ لذلك يُعدُّ الاستثمار في التعليم المهني والتقني، وزيادة التأهيل في قطاعات الصناعات التحويلية والتقنيات المتقدمة أساسيًّا لتحقيق الاستدامة الاقتصادية.
تعزيز المساهمة الذاتية للنمو: لم يُسجِّل التقرير نموًّا ملموسًا في مساهمة الاستهلاك المحلي أو الاستثمار الخاص بالنِّسب المأمولة؛ مما يستدعي تحفيز الاستهلاك المحلي المنتج، وتقليل الاعتماد المفرط على الإنفاق الحكومي كمحرِّك أساسيّ للنمو.
تؤكد هذه التحديات أن مسار الإصلاح الاقتصادي في المملكة يتطلب متابعةً دقيقة، وتطويرًا مستمرًا للخُطط والسياسات؛ لضمان تحقيق مستهدفات رؤية 2030 وتحويلها إلى واقعٍ اقتصاديٍّ مستدام.
التوقعات الاقتصادية: النمو مستمر لكن بحذر
تستمر المملكة في سعيها لتحقيق نموٍّ اقتصاديٍّ مستدام؛ حيث تتوقّع الهيئات الاقتصادية الدولية نموًّا معتدلًا في السنوات المقبلة.
ويتوقع صندوق النقد الدولي نمو الاقتصاد السعودي بنسبة 3.0% في 2025 و3.7% في 2026، بينما يتوقَّع البنك الدولي نموًّا أكبر يصل إلى 3.4% في 2025، و5.4% في 2026، من جهتها، تشير منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) إلى نموٍّ يُقدَّر بـ 3.8% في 2025، و3.6% في 2026، بينما توقَّعت وزارة المالية السعودية نموًّا بنسبة 4.6% في 2025، قبل أن تعدّل التوقعات إلى 3.5% في 2026.
ورغم هذه التوقعات الإيجابية، قد يواجه تسارع النمو تحدياتٍ تتعلَّق بتباطؤ الاقتصاد العالمي وتقلبات أسواق النفط؛ مما يستدعي مواصلة الإصلاحات الاقتصادية، وضمان استدامة الاستثمارات في القطاعات غير النفطية.
آفاق النمو واستحقاقات المرحلة النهائية لرؤية 2030
تُظهر التوقُّعات الاقتصادية في التقرير السنوي إجماعًا على استمرار النمو الإيجابي للاقتصاد السعودي في السنوات القادمة، بمعدلٍ يتراوح بين 3% إلى 5%.
ويعود هذا التفاؤل إلى استمرار تنفيذ البرامج التنموية الكبرى مثل برنامج تطوير القطاع المالي، وبرنامج جودة الحياة، التي تلعب دورًا محوريًّا في تحفيز القطاعات الواعدة، وتنويع مصادر الدخل.
ورغم هذه المؤشرات الإيجابية، تشير التقديرات إلى أن وتيرة النمو قد تشهد تباطؤًا تدريجيًّا بعد الانتعاش الذي تحقق في 2024؛ مما يفرض الحاجة إلى تسريع الإصلاحات الاقتصادية؛ لضمان استدامة النمو، وتعزيز مرونة الاقتصاد في مواجهة التحديات المستقبلية.
ومع اقتراب الاقتصاد السعودي من دخول المرحلة النهائية لتحقيق مستهدفات رؤية 2030، تبرز أهمية مراقبة المتغيّرات العالمية والمحلية بدقةٍ؛ لضمان سرعة الاستجابة لأي تطوُّراتٍ قد تؤثر على المسار الاقتصادي.
وفي هذا السياق، تظل المواءمة الدقيقة بين السياسات المالية والنقدية، وتعزيز أداء القطاعات غير النفطية، عنصرًا حاسمًا للحفاظ على ديناميكية الاقتصاد الوطني.
ونجاح المرحلة المقبلة يعتمد بشكلٍ أساسيٍّ على قدرة المملكة على استقطاب المزيد من الاستثمارات النوعية، وتطوير الكفاءات الوطنية؛ مما يساهم في بناء قاعدةٍ إنتاجيةٍ متقدمةٍ تدفع عجلة النمو المستدام.
رحلة الإصلاح مستمرة
بينما تواصل المملكة رحلتها الطموحة نحو تحقيق رؤية 2030، تؤكد المؤشرات أن الاقتصاد الوطني يسير بثقةٍ نحو بناء نموذجٍ تنمويّ أكثر تنوُّعًا وابتكارًا، ورغم التحديات، فإن الالتزام العميق بالإصلاحات، والاستثمار المستمر في رأس المال البشري، وتوسيع قاعدة الاقتصاد غير النفطي، ترسخ أسس نموٍّ مستدامٍ قادرٍ على الصمود أمام تقلُّبات الأسواق العالمية.
وستكون السنوات القليلة المقبلة حاسمةً في ترجمة طموحات الرؤية إلى واقعٍ ملموس؛ مما يجعل تعزيز الكفاءة، وتسريع وتيرة التغيير، وتحفيز المبادرات النوعية، الركائز الأساسية للعبور إلى المستقبل بثقةٍ وإصرار.
رؤية 2030 لم تعُد مجرد خُطة، بل أصبحت واقعًا يتحقق بخطواتٍ واثقة، مدفوعًا بعزيمة قيادةٍ تؤمن بأن الغد لا يُنتظر، بل يُصنع اليوم.
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة صحيفة سبق الإلكترونية ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من صحيفة سبق الإلكترونية ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.