أما في الانقلابات العسكرية، التي تحصل في الدول النامية المختلفة، من وقت لآخر، فما حصل بسوريا ليس انقلاباً عسكرياً. وفي الانقلابات العسكرية، غالباً ما يصر العسكر على تشكيل كامل المجلس الانتقالي، أو السماح لعدد أقل من المدنيين (قادة الأحزاب والمجموعات السياسية) في عضويته. فهذا المجلس سيشرف غالباً على وضع دستور جديد للبلاد، وإقامة الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي سيتمخض عنها نظام سياسي جديد، قد يحدد مصير البلد المعني لسنوات، أو عقود قادمة.
أما في سوريا، فقد تولت مجموعة الشرع السلطة، وبدأت تتصرف كمجلس انتقالي. وليس ذلك العمل إلا مشروعاً ومقبولاً في مجال السياسة. ويعامل كانقلاب عسكري، أو كانقلاب. ومعروف أن الانقلابات السياسية قد تكون عسكرية، وقد تكون غير ذلك، كانتصار مجموعة مقاومة معينة، والسيطرة على السلطة، كما حصل بسورية..
****
إن السلطة الانتقالية المؤقتة، ممثلة بالمجلس السيادي الأعلى، في الانقلابات العسكرية، وفي غيرها، ستفعل، في هذه المرحلة، أحد أمرين:
- إما أن تعيد إنتاج النظام السابق، بشكل أو آخر، أو:
- تحرص على عمل نظام سياسي جديد، وإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية نزيهة... تنتج عنها حكومة ممثلة للشعب فعلاً، ومستجيبة لرغبات غالبيته.
وبالتأكيد، فإن حكومة الشرع، قد جنحت للخيار الثاني.
في حالة الانقلابات العسكرية، كثيراً ما يجنح العسكر للخيار الأول، حيث يرشح بعض قادة العسكر -خاصة بعض رموز النظام السابق- أنفسهم، ويتولى أحدهم الرئاسة، بعد أن يخلع البزة العسكرية. ويتم «ترتيب» الانتخابات، بما يضمن فوزه ورفاقه. هنا يكون البلد قد استبدل ديكتاتوراً بآخر. وسيعمل الرئيس الجديد على أن يكون لديه برلمان طوع بنانه... وتنسى الهبة الشعبية، وينسى الانقلاب. ولأن كل دول العالم الديمقراطية الحالية ترفض الحكومات العسكرية الصريحة، تبذل الحكومة الجديدة قصارى جهدها لتظهر بأنها مدنية، تمثل شعبها، لا القلة العسكرية فيه فقط؟!
أما إن حرص الجيش على تسليم السلطة للمدنيين (الشعب) كما يتوجب، وكما تريد غالبية الشعوب المنتفضة، وعمل على ضمان إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية سليمة، ثم عاد إلى ثكناته، مقره ومكانه الطبيعي، فإنه يكون بذلك، قد أبدى نزاهة ووطنية، ومهنية رفيعة، ونقل بلاده لنظام تقبله غالبية الشعب المعني، ويضمن للبلاد الأمن والاستقرار الحقيقي، في المدى الطويل، وحتى لا تتكرر (بعد حين) الهبات الشعبية باهظة الثمن والتضحيات، حتى لو كانت سلمية... ويندر القادة الذين يؤثرون مصلحة شعبهم على بريق السلطة.
****
وهناك ما يسمى بـ«الطب السياسي» (أو الإجراءات الإصلاحية السياسية الحكيمة) التي بواسطتها تعالج الدول المضطربة سياسياً، أو الدول المريضة سياسياً، إن تمكن إخضاعها للعلاج. وتداوى تلك المهددة بانهيار وشيك، أو اضطراب سياسي حاد، أو «حرب أهلية» في الأفق، أو ما شابه ذلك. وهذا ما يفترض من موضوع التنمية السياسية القيام به. ومن صور «الطب السياسي»، المشار إليه: قيام منظمات، أو دول أخرى، أو شخصيات ذات خبرة وتأثير، من داخل وخارج تلك البلاد، باستخدام كل ما يمكنها استخدامه من جهود واتصالات، لوقف ذلك العناء، وإعادة الحياة الطبيعية للبلاد المعنية، إلى ما كانت عليه، أو أحسن... عبر: الوساطة (النزيهة) بين الفرقاء المعنيين. وإن كان «علم السياسة» يقدم «تطبيباً» لـ«الجراح والأمراض السياسية» المختلفة، فإن من أبرز صور هذا التطبيب هي ذلك المسعى، أو ما يسمى بـ«التدخل السياسي الحميد»، إن حسنت نياته بالفعل، والذي كثيراً ما ينتج عنه شفاء أمراض سياسية عضال مختلفة، وإعادة الاستقرار إلى بلاد افتقدته.
والواقع، أن التنمية السياسية الإيجابية تضمن الحفاظ على «صحة الدولة»، أية دولة، وضمان استقرارها السياسي، وتوحدها. في الحالة السورية، لا يبدو أنهم بحاجة لوساطة، سواء عربية، أو أجنبية. ولكنهم بحاجة لمزيد من التأييد الشعبي. وهذا لا يمكن الحصول عليه إلا بتمثيل كل فئات الشعب السوري، بمن فيهم الأكراد، وحتى الدروز، وغيرهما. ولهذا الحديث صلة.
أخبار ذات صلة
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة عكاظ ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من عكاظ ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.