ولي مع الأحلام قصّة، إذ كنتُ في طفولتي مغرماً بتأليف أحلام تخدم مصالحي الطفوليّة؛ فرويت لأمي (عليها رحمة الله) حلماً مصطنعاً قلتُ فيه أني رأيتُ في المنام أن أبي (رحمه الله) اشترى لي ثوباً ملوّناً؛ وكانت رحمها الله تحذّرني من الكذب في المنام؛ وتقول «ترى اللي يتكذّب في الحِلم تكلّفه الملائكة يوم القيامة بعقد حبتين شعير في بعضهما»، فحلفت لها كذباً؛ أني ما كذبت، وركبت في رأسي، وذات صباح صيفي إجازيٍّ، وأنا مُكّلف بحماية الزروع من الطير؛ قرّرتُ أن أعقد حبتي قمح؛ من باب التدرب على اختبار الملائكة القاسي؛ فأخذت من السنابل الطريّة سنبلة وفرطت حبّها، وبدأت أحاول عقدها لم أنجح ولم أيأس؛ محاولة ثانية وثالثة؛ وانصبّت الطيور على مزرعتنا وتناولت إفطارها في أمن وهناء؛ وجاء أبي، يرحمه الله، وأنا منهمك تحت الحبلة في الّلت والعجن؛ فمدّ يده على شجرة رمان، وافتصخ منها عوداً ناعماً، ومن الشطّة الأولى انعقرت وحسرت عن الفرار، وعدت للبيت وجلدي ملوّن بالأحمر والأسود، وكانت أمي، عليها رحمة الله، تداري ضحكتها كي لا تضاعف ألمي، وتدهن جراحي بزبدة بقر، وتردد «حلومكم علومكم صدّ حلمك بالثوب الملوّن!».
لم أتب من أحلامي الكاذبة، ولم أتراجع عنها؛ فما أن تنمحي آلام الجسد، وتتعافى ندوب الروح، نعود مجدداً للذنوب الأولى، ونكرر أخطاءنا بكبرياء، وكأنّ شيئاً لم يكن، وهكذا كان شأني مع أبي الذي كنتُ أروي له أحلاماً عن الغيوم والأمطار، التي أراها في منامي، ولأنّه عليه رحمة الله يعشق المطر، كان شديد التفاؤل بأمطاري الوهمية، أو المناميّة، وطالما ردّد «تباركوا بالنواصي والأقدام والبعض من الذُّريّة»، فأشعر أنّي من الذريّة المباركة؛ إلى أن رأى أُمي تنشر طراحتي وبطانيتي تحت ضوء الشمس، فقال «لا تنسَ تفضي الخزان قبل ما ترقد!».
أما الأحلام المصطنعة، التي كُنتُ أرويها لزملاء الطفولة، والرعاة والراعيات، فحدّث ولا حرج، ولأنّ إحدى الراعيات من قرية مجاورة كانت تمدّ لي في كل مرة بتمرات، أو حبة فاكهة، عشقتها، وركّبتُ لها حلماً عن خطبتي لها، وزواجي بها، وأني عزمتُ شيخ القبيلة، والعرفاء، والشُّعار، وزفيتها بيدي من السيارة إلى مجلس الحريم، ولأن الأغنام تقيّل تحت سدرة وارفة الظلّ ونحن معها؛ اندمجتُ في دور البطولة، ولم أنتبه أن غنمي تناقزت من فوق حاجز شجري على مزرعة ذرة لأحد المزارعين الناريين؛ فأدركَنا ونحن تحت السدرة نتبادل مقترحات ليلة الدُخلة، فكتَّف قدميّ بشماغي، وقال «خلّك مكانك إلى أن يأتي أهلك يفكونك»، واستاق الغنم إلى منزله، وأنا عاجز عن التخلص، والعروس الصغيرة لحقت غنمها وتركتني أواجه مصير الصباحيّة بمفردي، فقررتُ التوبة عن أحلامي الكاذبة.
أخبار ذات صلة
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة عكاظ ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من عكاظ ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.