عرب وعالم / السعودية / عكاظ

الحقيقة التي لا مهرب منها!

في عالمٍ مليءٍ بالأوهام، والخيبات تقف حقيقة الموت كالجبال الرواسي، لا تهتزّ ولا تلين.

الموت لا يُؤجّل، لا يُساوم، لا يتبدّل ولا يُغيّر موعده لأجل أحد، لا تُستدرّ عاطفته بالدموع، ولا يُخدع بالأمل.

هو الحقيقة الوحيدة التي لم يُصِبها الزيف، ولم يمسّها الشكّ، ولم تُخادعها الحواس. الموت أمرٌ إلهيٌّ لا مردّ له.

كتب الله أقدارنا في لوحه المحفوظ بموجب قانون «كل نفسٍ ذائقةُ الموت» فلا ملكاً يجير، ولا جاهاً يُمهل، ولا علماً يمنع.

هو ليس انتقاماً ولا غياباً عبثياً، بل انتقالٌ لحقيقةٍ أخرى، لعالمٍ آخر، لخلودٍ لا يشيخ. لعل أعظم مفارقة في حياة الإنسان أنه يخشى الموت وهو يعلم يقيناً أنه مولودٌ له كما وُلد للحياة.

فالموت لا يعني الفناء بقدر ما يعني التحوّل لمنعطفٌ وجوديٌّ، تنتقل فيه الأرواح من دار الفناء إلى دار البقاء.

ليس هناك أشدّ من وجع الفقد وألم الفراق، وجع صامت لا يُرى، لكنه ينهش القلب ويدميه كلّما تذكّرنا ضحكة الراحلين، مكان جلوسهم، صوتهم حركاتهم، أو حتى كوب قهوتهم المنسيّ على الرف.

في ركن من البيت، صورة قديمة، عكاز معلق، وفي درجٍ منسيّ رسالة بخطّ اليد، وأمنيات لم تكتمل وخربشات على ورق. وصوت تردده الجدران تذكرنا أنهم كانوا هنا، وفي زاوية القلب، أمنية لم تتحقق، أو عناق لم يُكتمل. نبكيهم في الليل بصمت، ونمضي في النهار كأنّ شيئاً لم يكن، والحقيقة أننا نعيش معهم بكل لحظاتهم.

كم هو غريب الإنسان أنه يستطيع أن يمشي ويأكل ويبتسم ويحلم بعد رحيل من كانوا سبب كل تلك الأفعال والذكريات المتروكة على رفوف الأيام، لكنهم يظلون معنا، نراهم في أحلامنا، نكلمهم في سرّنا، ونشتاق لهم في زحمة الأيام، تتحول آثارهم إلى أنفاس معلّقة، يعلّموننا في غيابهم معنى الحب الحقيقي، والوفاء الصامت، والوجع النبيل.

يموت الجسد، لكن الكلمة، والضحكة، والصورة، واللمسة تبقى تذكرنا بهم، فليس هناك أشدّ من وجع الموت وكل كلمات الدنيا لا تعزّي فاقداً عمّن فقد. الموت ليس موتهم وحدهم، بل موت أشياء فينا نحن أيضاً.

لنتعايش مع الموت، لا بد من التصالح معه، نفهم أن الحياة هدية مؤقتة، لا تكتمل إلا عندما ندرك أنها ستُسلب منا يوماً.

لا بد أن نعيش اللحظة كأنها الأخيرة، أن نحب بصدق، ونعطي بسخاء، ونعفو دون أن نُهين؛ لأننا لا نعرف متى يأتي الموعد.

الأرواح لا يحدّها قبر، والذكريات لا تمحوها السنون في كل جنازة نُشيِّع بعضاً منّا، وفي كل قبرٍ نُدفن شيئاً من حكايتنا، لكننا نحيا بالرجاء، ونُحيي موتانا بوفائنا لهم.

ويبقى الموت.. هو ذاك الدرس القاسي والألم المضني وعذاب الأرواح التي تفتقد الأعزاء بسبب الموت..

بموت الأحبة يصبح الإنسان تائهاً ضائعاً يفتقد دفئهم ورائحتهم وضحكاتهم كل ما حوله موحش لا يطاق.

الرحيل صدمة تكسر القلوب الصغيرة وتحزنها وتظُلم الدنيا أمام أعينهم، ليت الموت يتأخر قليلاً؛ لكي نشبع ممن نحب، لكنه قاسٍ وسريع وهو يخطف الشقيق المحبوب والأم الرؤوم والأب الذي يشكّل الملاذ الآمن والقدوة المقدسة.

الموت أعمق درس في الحياة، وأصدق لحظة في الوجود، تسيلُ المشاعرُ على السطور، وترتسمُ الوجوه على الكلمات، وتسير الأفكارُ على أرصفة الصفحات، وتتعانقُ الأحزان على موانئ المآقي، نابعة من القلب، غرستها سنون الوفاء، وروتها أيامُ الحب والذكريات وحصدها الموت بمنجله القاسي.

رحم الله كل من تركنا للعذاب وتعب الحياة وألم الذكريات وشوق اللقاء.

أخبار ذات صلة

 

ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة عكاظ ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من عكاظ ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.

قد تقرأ أيضا