يبدو أن أمين عام حزب الله نعيم قاسم مصرّ على أن يوجه سهامه، ليس إلى إسرائيل، بل إلى الحكومة اللبنانية.
عشية وصول السفير الأمريكي توم براك إلى بيروت، بدا نعيم قاسم، اليوم (الإثنين)، يريد أن يسبق الدولة إلى المفاوضة، وأن يضع شروطه المسبقة باسم «حزب الله».
خطابه لم يكن مجرد مرافعة دفاعية عن السلاح، بل كان إعلاناً صريحاً بأن الحزب هو المرجعية النهائية في ما يسمى «السيادة». وهنا تتكشف خطورة الرسالة: من يرفع شعار السيادة إنما يصادرها، ومن يهاجم الحكومة باسم حماية الوطن إنما يقوّض الدولة من أساسها.
سيادة على قياس الحزب
يتحدث قاسم عن «استعادة السيادة»، لكنه في الوقت نفسه يرفض التخلي عن سلاح حزبه أو الخضوع لقرارات الحكومة. أكثر من ذلك، يصف قرارها بحصر السلاح بأنه «خطيئة» و«غير ميثاقي». فكيف يمكن لحزب مسلح خارج الدولة أن ينصّب نفسه وصيّاً على الميثاق والدستور؟
التناقض فاضح: من يحتكر القوة يزعم الدفاع عن سيادة الوطن، بينما هو عملياً يسلب الدولة حقها. إنها سيادة مشروطة: الدولة موجودة ما دامت تشرّع سلاح الحزب، والحكومة شرعية ما دامت لا تمسّ «المقدسات» التي وضعها.
المقاومة: شعار بلا حماية
يصرّ أمين حزب الله على أن «المقاومة ردعت إسرائيل من 2006 حتى 2023»، وكأن سنوات الانهيار المالي والعزلة العربية والدولية لم تكن نتيجة مباشرة لدوامة السلاح والحروب العبثية. فأي ردع هذا الذي ترك لبنان مكشوفاً على أزماته الاقتصادية والسياسية؟ بل إنه ذهب أبعد من ذلك حين قال إن المقاومة «ليس واجبها منع العدوان أو حماية لبنان»، وهو اعتراف صريح بأن السلاح لا يحمل وظيفة وطنية بقدر ما يحمل وظيفة حزبية. الشعار إذاً فارغ: لا حماية فعلية ولا ردع حقيقياً، بل ورقة تفاوض دائمة يستخدمها الحزب في وجه الدولة والمجتمع.
لغة التخوين والانقسام
لم يكتفِ قاسم برفض قرارات الحكومة، بل اندفع إلى خطاب التخوين، ووصف كل من يعارض الحزب بالذليل وغير الشريف. والواضح أن الحزب لن يتخلّى عن سياسته الإقصائية التي تُشيطن المختلف وتحوّل الخلاف السياسي إلى معركة وجودية. وحتى في حديثه عن «فجر الجرود»، الإنجاز الذي تحقق بتضحيات الجيش اللبناني، حرص على نسبته إلى حزب الله، في محاولة ممنهجة لمصادرة دور المؤسسة العسكرية وإلحاقها بظله. الرسالة كانت واضحة: الجيش مجرد قوة رديفة، الحكومة موضع اتهام، والسيادة رهينة السلاح!
خطاب قاسم ليس مجرد موقف سياسي، بل بيان انقلابي على الدولة بكل ما تعنيه الكلمة. هو يقدّم مشروعاً دائماً للتخوين والسيطرة، فيما يتستر خلف شعار السيادة الذي حوله إلى أداة احتكار.
والسؤال الأخطر هنا: إذا كانت الحكومة «خاطئة» و«غير ميثاقية»، كما يزعم، فمن يملك الحق إذاً في تقرير مصير البلاد؟ وإذا كان الجيش أداة رديفة لا أكثر، فماذا يتبقى من مؤسسات الدولة؟ وهل المطلوب أن يسلّم اللبنانيون سيادتهم لحزب يقرّر وحده متى تبدأ الحرب ومتى تنتهي؟.
لبنان اليوم أمام معضلة وجودية: إما دولة كاملة بسيادة جامعة، أو كيان معلّق بين حكومة منزوع عنها القرار وحزب يفرض نفسه بديلاً عن الشرعية. فإلى أين يقودنا هذا الانقلاب الناعم؟ ومن سيدفع الثمن في النهاية: السلطة التي صودرت، أم الشعب الذي سيبقى رهينة سلاح الداخل وصراعاته المفتوحة؟
أخبار ذات صلة
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة عكاظ ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من عكاظ ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.