في قلب حي المعابدة شمال شرقي مكة المكرمة، يقف قصر السقاف شامخًا، ومعلمًا بارزًا يروي فصولًا من تاريخ مكة المكرمة والدولة السعودية.
بُني القصر حوالي (1880م / 1298هـ)، وهو واحد من المباني التاريخية في مكة، حيث استُخدم مقرًّا لبعض الأنشطة الإدارية والديوانية، واحتضن عدة لقاءات جمعت شخصيات اجتماعية مختلفة.
وأصبح القصر مركزًا لإدارة شؤون الدولة، ومكانًا لاستقبال كبار الضيوف والوفود الرسمية، وشهد توقيع عددٍ من الاتفاقيات والقرارات المهمة في بدايات الدولة السعودية الثالثة.
وخلال العقود الأخيرة (1980م – 2019م)، ومع انتقال المقرات الرسمية إلى مبانٍ حديثة، قلّ استخدام القصر وظلّ معلمًا تاريخيًا بارزًا.
ومنذ أن شُيّد في بدايات القرن الرابع عشر الهجري، غدا القصر علامة مميزة في المشهد العمراني للمدينة المقدسة، حيث يُعد موقعه القريب من المسجد الحرام ذا قيمة استثنائية، إذ كان ملتقى للزوار والوفود القادمين إلى مكة، ومكانًا يختصر صورة المدينة في كرمها وبساطتها وهيبتها، ولم يكن القصر مجرد جدران صامتة، بل مسرحًا لصياغة قرارات وأحداث من تاريخ الدولة.
ويُشير رئيس قسم العمارة بجامعة أم القرى الدكتور عمر عدنان أسرة إلى أن الزائر للقصر يلمس فورًا خصائصه المعمارية فهو ينتمي إلى الطراز المكي التقليدي الذي يجمع بين البساطة والهيبة، وقد استخدم البناؤون الحجر المحلي في الأساسات، والخشب المستورد من الهند وشرق أفريقيا في النوافذ والأبواب والشناشيل، مما يعكس تواصل مكة التجاري والثقافي مع العالم الإسلامي، وتتوزع فراغاته الداخلية بما يراعي الخصوصية، مع مجالس واسعة للضيوف وأجنحة للسكن، إضافة إلى ساحات تسمح بالتهوية الطبيعية، أما الزخارف الجصية والأنماط الهندسية التي تزين جدرانه فتضفي لمسة جمالية تنسجم مع هوية مكة الروحية.
وبين الدكتور عمر أن ما يميز قصر السقاف أنه لم ينفصل يومًا عن بيئته، وجزء من نسيجها العمراني يعكس في تصميمه القيم المرتبطة بمكة: الضيافة، والخصوصية، والبساطة الممزوجة بالجمال، ومجالسه الرحبة تجسد استعداد المدينة لاستقبال ضيوفها من كل أصقاع الأرض، وزخارفه الإسلامية تؤكد عمق الهوية التي لا تنفصل عن قدسية المكان.
وأكَّد على الجهود الفاعلة التي تقوم بها الجامعة في توثيقه عمرانيًا ومعماريًا، حيث نفذ أعضاء هيئة التدريس والطلاب أبحاثًا ميدانية شملت رفعًا معماريًا تفصيليًا، ورصدًا لعناصره الإنشائية والزخرفية، وتوثيقًا فوتوغرافيًا؛ يهدف إلى حفظ الذاكرة البصرية للقصر, وقد أسهمت تلك المبادرات العلمية في إثراء المعرفة بتاريخ المبنى وأساليبه المعمارية، وأتاحت قاعدة بيانات يمكن أن يستفيد منها المخططون والجهات المعنية في مشروعات الترميم والحفاظ، ويُجسِّد هذا التفاعل بين الجامعة والمجتمع قيمة الشراكة الأكاديمية في خدمة التراث الوطني، مبينًا أن قصر السقاف ليس مجرد معلم أثري، بل مشروع معرفي وثقافي يُشارك في صياغته الباحثون والطلاب معًا.
وأطلقت الهيئة الملكية لمدينة مكة المكرمة والمشاعر المقدسة، عدة برامج لترميمه وإعادة تأهيله؛ بهدف الحفاظ على قيمته التاريخية ليبقى حيًّا في وجدان أهل مكة وزوارها، ومنصة تحتضن المناسبات والفعاليات التي تُذكر كل الأجيال بثراء مكة المعماري والاجتماعي والثقافي، وتأكيدًا على الالتزام بالحفاظ على التراث الوطني.
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة المواطن ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من المواطن ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.