وتستمر عقارب الساعة في دورتها للأمام، لا تكترث بمن تخلّف في محطات الماضي، أو تجمّد عند حدود مكانه. فالحياة في جوهرها رحلة حركة وتغيّر مستمر، ومن يرفض هذه الحقيقة يجد نفسه غريباً في عالم لا يعترف بالسكون.
أسير الماضي يعيش في ذاكرة أصبحت أثراً بعد عين، يرفض أن يدرك أن اللحظة التي يحن إليها قد تحوّلت إلى ذكرى، بينما العالم من حوله يولد من جديد في كل نفس. هو كمن يقف على شاطئ البحر يحاول أن يمسك بأمواج رحلت إلى أعماق المحيط، غير مدرك أن أمواجاً جديدة تصل إلى قدميه في كل لحظة. انغلاقه على ما فات يحرمه من حاضر ممتد ومستقبل قادم، فيصبح كالطائر الذي يرفض مغادرة القفص بعد فتح بابه.
أما أسير الجغرافيا، فهو سجين حدود وهمية رسمها البشر على الخرائط، متوهماً أن السعادة تكمن في مكان آخر، أو أن نجاحه مقيد بحدود وطنه. ينسى أن العظماء الذين غيّروا العالم لم تمنعهم حدود الجغرافيا من توسيع آفاقهم، فالإنجاز الحقيقي ينتقل عبر القارات بلا حاجة إلى تأشيرة، والأفكار العظيمة تعبر المحيطات دون قوارب. هو كمن يملك كنزاً ثميناً لكنه يصر على الجلوس في زاوية مظلمة منه، شاكياً ضيق المساحة.
والحقيقة التي تغيب عن كليهما هي أن التغيير ليس تهديداً، بل هو ضمانة الحياة. فالنهر لا يتوقف عن الجريان خوفاً من منعطف مجهول، والبذرة لا تتردد في التحول إلى شجرة رغم ظلمة التراب. المقاومة الوحيدة للجمود هي الحركة، والتحدي الحقيقي ليس في التغيير نفسه، بل في قدرتنا على التكيف معه والاستفادة منه.
في النهاية، نحن لا نملك خيار إيقاف عجلة الزمن، لكننا نملك خيار كيفية ركوبها. إما أن نكون ركاباً سلبيين ننظر من النافذة إلى مشاهد تمر بلا معنى، أو أن نكون سائقين يمسكون بمقود رحلتهم، يحددون وجهتهم ويستمتعون بالطريق. الحياة ليست انتظاراً لعودة الماضي، ولا حلماً بمستقبل بعيد، بل هي فن العيش في اللحظة الحاضرة بكل وعي وامتنان.
فكما أن عقارب الساعة لا تعود إلى الوراء، لن تعود أي لحظة مضت. لكن كل دقيقة جديدة تمثل فرصة لبداية مختلفة، وصفحة نظيفة في كتاب حياتنا. الماضي قد يكون مدرسة نتعلم منها، لكنه ليس سجناً يجب أن نحبس أنفسنا فيه. والمستقبل قد يكون حلماً نعمل من أجله، لكنه ليس هروباً من واقعنا. الفيصل هو كيف نعيش حاضرنا بكل ما فيه من تحديات وفرص، وكيف نصنع من رحلتنا قصة تستحق أن تروى.
أخبار ذات صلة
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة عكاظ ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من عكاظ ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.