تشهد دولة الإمارات العربية المتحدة تحولًا تاريخيًا مع إطلاقها المرحلة الأولى من مجمع الذكاء الاصطناعي الإماراتي الأمريكي في أبوظبي، الذي وُصف بأنه الأكبر من نوعه خارج الولايات المتحدة الأمريكية، ويمثل هذا المشروع الطموح، الذي تبلغ طاقته التشغيلية 5 جيجاواط، نقلة نوعية في المشهد التكنولوجي والاقتصادي للمنطقة، ويعزز مكانة الإمارات كمركز عالمي رائد في مجال الذكاء الاصطناعي.
ولكن ماذا يضم مجمع الذكاء الاصطناعي الإماراتي الأمريكي الجديد في أبوظبي، وما تأثيره المحتمل في مستقبل المنطقة؟
تفاصيل المشروع والقدرات التشغيلية:
يُعدّ مجمع الذكاء الاصطناعي الإماراتي الأمريكي صرحًا تكنولوجيًا ضخمًا، إذ يهدف إلى تعزيز القدرات الحاسوبية وخدمات الذكاء الاصطناعي على نطاق إقليمي وعالمي، وستستفيد الشركات الأمريكية الرائدة من الإمكانات الضخمة للمجمع لتوفير خدمات الحوسبة الإقليمية، مع إمكانية توسيع نطاق خدماتها لتشمل دول الجنوب العالمي.
كما توفر سعة الطاقة التشغيلية البالغة 5 جيجاواط المخصصة لمراكز بيانات الذكاء الاصطناعي في أبوظبي منصة إقليمية فريدة، تمكّن الشركات الأمريكية العملاقة من تقديم خدمات سريعة وموثوقة لما يقرب من نصف سكان العالم.
ولتوضيح حجم مجمع الذكاء الاصطناعي الجديد في أبو ظبي وخاصة الطاقة التشغيلية البالغة 5 جيجاواط، فقد قال لينارت هايم، المحلل في مؤسسة راند، في منشور عبر منصة إكس: “تفوق هذه القدرة جميع إعلانات البنية التحتية الرئيسية للذكاء الاصطناعي التي صدرت حتى الآن”. وقدّر أنها كافية لتشغيل 2.5 مليون رقاقة من رقاقات إنفيديا B200، وهي من أحدث وأقوى معالجات إنفيديا.
ومع ذلك لم تُعلن حتى الآن صراحة الشركات المصنعة لرقاقات الذكاء الاصطناعي التي ستشارك في المشروع، ولكن أشارت بعض المصادر إلى أن الصفقة ستمنح الإمارات وصولًا موسعًا إلى رقاقات الذكاء الاصطناعي المتقدمة من شركات مثل إنفيديا، إذ ظهر جنسن هوانج، الرئيس التنفيذي لإنفيديا، في حفل تدشين المجمع الذي شهده صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات، والرئيس الأمريكي ترامب، يوم الخميس الماضي في قصر الوطن في أبوظبي.
وأشارت بعض التقارير إلى أن الاتفاقية الجديدة، ستسمح للإمارات باستيراد ما يصل إلى 500 ألف وحدة سنويًا من أحدث رقاقات الذكاء الاصطناعي التي تنتجها شركة إنفيديا، وذلك ابتداءً من العام الجاري 2025، وفقًا لمصادر مطلعة تحدثت لرويترز. وقد رفضت شركة إنفيديا التعليق على هذه الأنباء.
ولكن أهم ما يميز هذا المجمع هو التزامه بالاستدامة، إذ سيُستخدم عند اكتماله مزيج من مصادر الطاقة النظيفة، بما يشمل: الطاقة النووية والطاقة الشمسية، بالإضافة إلى طاقة الغاز، مما يعكس التزام الإمارات الراسخ بخفض الانبعاثات الكربونية وتحقيق مستقبل أكثر استدامة.
كما أن القدرة الضخمة للمجمع، التي تعادل استهلاك الطاقة لنصف مدينة بحجم دبي أو خمسة مفاعلات نووية، تؤكد طموح المشروع في أن يكون منصة عالمية قادرة على خدمة ما يقرب من نصف سكان العالم بالخدمات المتطورة للذكاء الاصطناعي.
وإلى جانب دوره كمركز للحوسبة، سيحتضن المجمع مركزًا علميًا متقدمًا للبحث والتطوير، يُسهم في دفع عجلة الابتكار في مجال الذكاء الاصطناعي، مما يعزز مكانته كحاضنة للمعرفة والتطوير.
شراكة تسريع الذكاء الاصطناعي بين أمريكا والإمارات:
تتولى شركة (جي 42) الإماراتية المتخصصة في مجال الذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية، بناء هذا المجمع على مساحة تصل إلى 25 كيلومتر مربع، وتشغيله بالتعاون مع عدد من الشركات الأمريكية.
ويستند هذا التعاون الوثيق إلى إطار عمل جديد بين حكومتي دولة الإمارات والولايات المتحدة، أُطلق عليه اسم (شراكة تسريع الذكاء الاصطناعي بين الولايات المتحدة الأميركية ودولة الإمارات العربية المتحدة)، وتهدف هذه الشراكة إلى تعزيز التعاون المشترك في مجال الذكاء الاصطناعي والتقنيات المتقدمة.
وبموجب هذه الشراكة، ستعمل دولة الإمارات والولايات المتحدة معًا على تنظيم عملية الوصول إلى الخدمات الحاسوبية والاستفادة منها، وستُخصص هذه الخدمات حصريًا لمُصنّعي الحوسبة الضخمة ومُزوّدي خدمات الحوسبة السحابية المعتمدين في الولايات المتحدة، مما يضمن أعلى مستويات الأمان والكفاءة.
ما الأهمية الإستراتيجية للمشروع وما تأثيره في المنطقة؟
لن يقتصر تأثير مجمع الذكاء الاصطناعي الإماراتي الأمريكي الجديد في أبوظبي على الإمارات فحسب، بل سيمتد ليشمل المنطقة بأسرها، كما سيكون له أبعاد عالمية.
أولًا؛ ما التأثير المتوقع في دولة الإمارات العربية المتحدة؟
يمثل هذا المجمع دعامة أساسية لرؤية الإمارات 2071، التي تهدف إلى ترسيخ مكانتها كأمة رائدة عالميًا في مختلف المجالات، وستكون له تداعيات عميقة على عدة أصعدة:
- التحول الاقتصادي: سيسهم المجمع بنحو كبير في تسريع وتيرة تنويع الاقتصاد الإماراتي بعيدًا عن النفط، من خلال تعزيز القطاعات القائمة على المعرفة والابتكار، وسيجذب استثمارات أجنبية ضخمة، ويوفر آلاف الوظائف الجديدة في مجالات متقدمة مثل الذكاء الاصطناعي، والحوسبة السحابية، والبيانات الضخمة، مما يعزز الناتج المحلي الإجمالي ويفتح آفاقًا اقتصادية غير مسبوقة.
- القفزة التكنولوجية: يضمن المجمع للإمارات وصولًا غير مسبوق إلى أشباه الموصلات والرقاقات المتقدمة للذكاء الاصطناعي، التي كانت تخضع في السابق لقيود تصدير. وسيمكن هذا الوصول الحيوي الدولة من تطوير حلول مبتكرة في مجالات حيوية مثل: الرعاية الصحية، والتعليم، والنقل، والأمن، والطاقة، مما يضعها في طليعة الثورة الصناعية الرابعة. كما أن وجود مركز الابتكار العلمي سيعمل كمحرك للأبحاث والتطوير، مما يعزز قدرة الإمارات على إنتاج المعرفة وتصديرها.
- تنمية رأس المال البشري: ستعزز البنية التحتية المتطورة من جاذبية الإمارات للمواهب العالمية في مجال الذكاء الاصطناعي. كما ستفتح فرصًا واسعة للتدريب والتعليم والبحث للكوادر الوطنية، مما يساهم في بناء جيل جديد من الخبراء والمبتكرين القادرين على قيادة مستقبل الذكاء الاصطناعي.
- الريادة والسيادة التكنولوجية: يؤكد هذا المشروع مكانة الإمارات كأول دولة تعين وزيرًا للذكاء الاصطناعي وتطلق إستراتيجية وطنية شاملة، إذ إنه يرسخ دورها كلاعب عالمي رئيسي في رسم ملامح الاقتصاد الرقمي والذكاء الاصطناعي، ويمنحها سيادة تكنولوجية متزايدة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
ثانيًا؛ ما التأثير المتوقع في المنطقة والعالم؟
- محفز للابتكار الإقليمي: يمكن أن يكون المجمع بمنزلة حافز لدول المنطقة للاستثمار بنحو أكبر في البنية التحتية للذكاء الاصطناعي وتطوير إستراتيجياتها الخاصة، وستتمكن دول الجوار من الاستفادة من الخبرة الإماراتية المتراكمة، والوصول إلى خدمات حوسبة متقدمة، مما يسهم في رفع مستوى الابتكار والتحول الرقمي على نطاق أوسع.
- منصة للخدمات الإقليمية: بما أن المجمع مصمم لخدمة نصف سكان العالم تقريبًا، فإنه سيصبح منصة إقليمية رئيسية توفر قدرات حوسبة فائقة وخدمات ذكاء اصطناعي متقدمة للشركات والحكومات في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا وآسيا.
- تعزيز التعاون والشراكات: يعمق المشروع الشراكة الإستراتيجية بين الإمارات والولايات المتحدة في مجال التقنيات المتقدمة، ويمكن أن يفتح الباب أمام مزيد من التعاون الدولي في البحث والتطوير، ومعالجة التحديات العالمية المشتركة باستخدام الذكاء الاصطناعي.
- الأبعاد الجيو اقتصادية والأمنية: يعزز هذا الاستثمار مكانة المنطقة على الخريطة التكنولوجية العالمية، ويجذب المزيد من الاستثمارات التي تسعى للاستفادة من هذه القدرات. كما أن تطبيقات الذكاء الاصطناعي في مجالات الأمن والمراقبة والخدمات اللوجستية يمكن أن تسهم مباشرة في تعزيز الأمن والاستقرار والازدهار في المنطقة.
وختامًا؛ يمثل مجمع الذكاء الاصطناعي العملاق في أبوظبي قفزة نوعية على رؤية دولة الإمارات الاستباقية في احتضان المستقبل، فمن خلال هذا المشروع، لا تسعى الإمارات فقط إلى أن تصبح مركزًا عالميًا للذكاء الاصطناعي، بل تهدف إلى أن تكون محركًا للابتكار والازدهار في المنطقة، ومثالًا يحتذى به في تسخير التكنولوجيا لخدمة الإنسانية وتحقيق التنمية المستدامة. ولا شك أن هذا التطور سيشكل نقطة تحول في مسار المنطقة نحو الاقتصاد الرقمي القائم على المعرفة والابتكار.
نسخ الرابط تم نسخ الرابط
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة البوابة العربية للأخبار التقنية ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من البوابة العربية للأخبار التقنية ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.