تخيل لو استيقظت ذات صباح، وسمعت حذاءك يهمس لك: “رفقًا بجسدك، لقد قطعت بي ألف طريق ولم تمنحني ولا نفسك استراحة”. وتخيل أن كوب قهوتك قال لك: “لماذا تشربني على عجل؟ أنا وُجدت لأمنحك لحظة سكينة، لا أن أكون محطة عابرة وسط دوامة يومك”. لا، لسنا بصدد تأليف قصة خيالية عن أشياء تتكلم، بل دعوة لأن نصغي للرسائل الصامتة التي ترسلها إلينا تفاصيل حياتنا اليومية. فالأشياء تعرف عنا أكثر مما نعرف عن أنفسنا، وتكاد تكون شهودًا على حالتنا النفسية، لا ننتبه لها إلا إذا قررنا أن نراها بوعي مختلف.
الحذاء يعرف كم مرة ركضنا هربًا من مواجهة، وكم مرة وقفنا رغم التعب. الكرسي الذي نجلس عليه يوميًا يعلم كم جلسة كانت بحثًا عن راحة، وكم جلسة كانت محاولة لتجاوز انهيار داخلي لا يراه أحد. الوسادة تعرف دموعًا لم نجرؤ على البوح بها، والساعة تعرف ارتباكنا بين لهاثنا خلف الزمن ومحاولتنا أن نبدو متماسكين. نحن لا ننتبه لهذه الأشياء لأنها صامتة، لكن هذا الصمت تحديدًا هو ما يجعلها تنطق بلغة لا يسمعها إلا من أصغى بقلبه لا بأذنيه.
ربما نحن بحاجة لأن نتوقف، ونسأل كل شيء حولنا: ما الذي تحاول أن تخبرني به؟ النظارة قد تقول: “انظر بعين التأمل لا العادة”. الهاتف قد يصرخ: “كف عن السحب عليّ كل خمس دقائق، فأنت لا تبحث عن شيء، بل تهرب من كل شيء”. حتى ملابسك اليومية قد تقول: “كل هذه الطبقات لا تخفي قلقك الداخلي”. الأشياء ليست أدواتنا فقط، بل مرآتنا الصامتة، تفضحنا دون أن تتكلم.
هذا المقال ليس دعوة للجنون، بل دعوة للانتباه. أن تتعامل مع محيطك وكأنه يهمس لك بالحكمة. أن ترى في فنجان الشاي لحظة تأمل، لا فقط مادة منبهة. أن تعود لتلك التفاصيل التي أهملناها بحجة الانشغال، بينما كانت هي الوحيدة التي تبقينا متوازنين. فالحياة لا تحدث فقط في الإنجاز والقرارات الكبرى، بل في التفاصيل الصغيرة التي نمرّ بها مرور الكرام.
حاول أن تصغي لحذائك قبل أن يتآكل، وأن تستقبل قهوتك كما تستقبل صديقًا قديمًا، وأن تنصت لما تقوله لك طاولة مكتبك التي شهدت صعودك وسقوطك. كل ما حولك يتكلم... فقط إن أنصتّ.
@A_SINKY
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة صحيفة اليوم ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من صحيفة اليوم ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.