في زمن أصبحت فيه المنصات الترفيهية جزءًا لا يتجزأ من تفاصيل حياتنا اليومية، لم يعد المحتوى المعروض مجرد وسيلة للهروب من الضغوط أو تمضية الوقت، بل تحوّل إلى أداة ناعمة ومؤثرة تُمرر من خلالها رسائل ثقافية وسياسية واجتماعية قد لا ننتبه لها، لكنها تتسلل إلى وعينا تدريجيًا، إنّ الترفيه اليوم لم يعد بريئًا كما كان يُنظر إليه سابقًا، بل أصبح صناعة ضخمة ترتبط بالمصالح والاتجاهات الفكرية، وأداة قوية لتشكيل الرأي العام وتغيير المواقف دون أن نشعر.
هناك رسائل خفية، تبرز في بعض الأعمال الدرامية أو السينمائية كمحاولات مدروسة لتقديم صورة مغايرة عن العدو التاريخي، وكأن الخلافات العميقة يمكن حلّها بمشهد درامي أو موقف بطولي عاطفي، دون الرجوع إلى جذور الصراع أو الحقائق السياسية والإنسانية. هذه الرسائل لا يتم التصريح بها بشكل مباشر، بل تُغلف بطابع إنساني، أو بطولي، يهدف إلى إثارة التعاطف وتغيير الموقف دون صدام أو نقاش.
ما يجعل الأمر أكثر خطورة، أن هذه الرسائل تأتي متخفية فنحن نظن أننا نشاهد فيلمًا أو مسلسلًا بغرض المتعة، بينما يتم تشكيل وعينا وتوجيه عواطفنا ببطء ودون وعي. في كثير من الأحيان، يُستبدل الصراع الحقيقي برواية مُعاد صياغتها بعناية، لتقديم رؤية معينة تحاول زرع فكرة جديدة، أو حتى تهميش قضية أصيلة لصالح خطاب آخر أكثر قبولًا.
هنا يبرز التحدي الأكبر أمام المتلقي: أن يكون يقظًا ونقديًا تجاه ما يراه ويسمعه. فليس كل ما يُعرض يُقصد به التسلية البحتة، وليس كل مشهد أو ضحكة بريئة من الأثر. ولأن التأثير الإعلامي لم يعد يعتمد على المواجهة المباشرة، بل على التكرار الناعم والمحتوى الجاذب، أصبح الوعي النقدي حصنًا لا غنى عنه.
هناك منطقة رمادية يجب أن نتعامل معها بحذر، ومع الانفتاح الإعلامي وتعدد المنصات، لم يعد بالإمكان حجب الرسائل أو منعها، لكن يمكننا أن نختار كيف نشاهد وماذا نصدق.
الوعي اليوم هو السلاح الحقيقي، فإما أن نكون مجرد متلقين سلبيين، أو نتحول إلى مشاهِدين قادرين على قراءة ما بين السطور، وطرح الأسئلة الصعبة: ما الذي يُراد منا أن نصدّقه؟ وما الذي يُعاد تشكيله في وعينا دون أن ندري.
[email protected]
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة صحيفة اليوم ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من صحيفة اليوم ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.