القاهرة: «الخليج»

تحتفل مصر خلال هذه الفترة من كل عام، بانطلاق بث أول محطة إذاعة أهلية في البلاد، تم تصنيعها من مخلفات الجيش الانجليزي عام 1927، على يد القبطي حبشي جرجس وهي الإذاعة التي لعبت دوراً كبيراً في نشر الأحاديث الدينية وبث أجزاء من القرآن الكريم، بأصوات عدد من أشهر المقرئين في التاريخ المصري الحديث ومن بينهم القارئ الكبير الشيخ محمد رفعت.

بثت محطة «الوثائقية» المصرية فيلماً تسجيلياً عن محطة حبشي الإذاعية، يروي تفاصيل تأسيس أول إذاعة أهلية في البلاد، وانطلاق أول صوت يقرأ القرآن الكريم أمام ميكروفون الإذاعة وهو الشيخ عبد السلام الزول وهو ما تسبب حينئذ في موجة واسعة من الغضب في أوساط أزهرية، اعترضت على إقدام الشيخ الشهير وقتها على قراءة القرآن الكريم «أمام قطعة من الحديد» وقد بلغ الأمر وقتها أن تجمع عدد كبير من شيوخ الأزهر أمام مبنى الإذاعة، التي كانت تبث برامجها من منزل مملوك لقبطي آخر يدعي إلياس شقار في شارع شبرا، وإعلان اعتراضهم على إذاعة القرآن الكريم أمام حديدة!.
ويروي الباحث أيمن عثمان كيف لجأت إذاعة حبشي إلى الشيخ محمد رفعت لقراءة القرآن الكريم عبر أثيرها، وهو ما دفع الأخير إلى اللجوء إلى الأزهر، لطلب فتوي شرعية بجواز قراءة القرآن أمام ميكروفون، مشيراً إلى أن حبشي الذي قام ببناء أول محطة إذاعة مصرية من مشترواته من وكالة البلح، من مخلفات الحرب العالمية الأولى، بدأ بث إذاعته باشتراك نصف ريال للجمهور وقد كان هذا المبلغ يمنح المشترك الحق في طلب ما يريد الاستماع إليه، بخطاب موقع برقم اشتراكه في الإذاعة.
سافر القبطي حبشي جرجس إلى إنجلترا عام 1922 لدراسة الهندسة اللاسلكية، ليقضي بها خمس سنوات، ويعود إلى مصر محملاً بخبرة وعلم في مجال الهندسة اللاسلكية ويشرع في التفكير جدياً في إطلاق أول إذاعة أهلية، في مواجهة المحطة الإذاعية الوحيدة التي تبث برامجها في مصر وكانت تابعة للاحتلال البريطاني ولم يكن يستمع إليها سوي عدد محدود من الأثرياء وقد وجد حبشي ضالته عندما عثر على بقايا محطة إذاعية كانت تستخدم في الحرب العالمية الأولى، في أحد محال الخردة التي كان يملكها قبطي آخر يدعي إلياس شقار، فاقنعه حبشي جرجس بأهميتها ووافق التاجر على منحه الخردة مقابل أن يكون شريكاً في المشروع، كما منحه 600 جنيه لاستكماله.
أجري حبشي تجارب البث الأولي لإذاعته من منزل إلياس شقار في شارع شبرا، قبل أن ينتقل بعد ذلك إلى شارع الجيش قرب ميدان القبة، لكن بسبب خلافات إدارية انفصل الشريكان، واستبدل حبشي إلياس شقار بأحمد فريد الرفاعي وإسماعيل وهبي، شقيق الفنان يوسف وهبي، لتنتقل المحطة إلى مقرها الأخير في منزل الرفاعي بشارع النجوم في حدائق القبة.
قدمت إذاعة حبشي عبر أثيرها نخبة من ألمع نجوم الغناء في ذلك العصر ومن بينهم محمد عبد الوهاب وأم كلثوم وأسمهان وبديعة مصابني وفريد الأطرش وغيرهم من الفنانين وقد كانت برامج المحطة تبدأ في السابعة صباحاً، بتلاوة لآيات القرآن الكريم، تليها نشرة إخبارية تتناول آخر المستجدات، ثم تحليل للأحداث الجارية، قبل أن تشرع في بث مجموعة من الأغاني للمشتركين وقد شهدت المحطة أول أزمة لها، عندما حضرت سيدة إلى مقر الإذاعة وعرضت دفع مبلغ 50 جنيهاً مقابل خدمة خاصة وهي أن تقوم المحطة بقطع البث في أي وقت تريده، تبث أغنيتين محددتين، هما الجو رايق لعبد الوهاب أو الجو غيم لصالح عبد الحي ووافق حبشي على الطلب، قبل أن تداهم مقر الإذاعة ذات صباح قوة من رجال الشرطة وتلقي القبض عليه، ليكتشف أن السيدة كانت تستخدم الأغنيتين، كإشارات مشفرة لأفراد عصابة لتهريب المخدرات.