منوعات / صحيفة الخليج

رسالة سلام وفن يمنية

علي عبدالله الأحمد

بعيداً عن دروب السياسة وضجيج أرقام الاقتصاد، هناك عامل ثقافي مشترك يوحّد دول الخليج، وهو أثر الفن اليمني العميق في أغاني المنطقة كلها بلا استثناء.
الفن اليمني لم يكن مجرد لون محلي، بل كان جسراً بين القلوب، وصوتاً عبر الحدود، وأساساً تفرعت منه مدارس غنائية ولحنية غنية.
لنبدأ مع قامة يمنية خالدة: أبوبكر سالم، القادم من حضرموت، لكنه عاش مجده في المملكة العربية ، أتى إليها في شبابه، وأشعل بصوته وألحانه شرارة عشق فنية امتدت لعشرات السنين. يصعب حصر المغنين الذين تأثروا بأدائه وأسلوبه خلال نصف قرن، فقد أصبح أبو بكر مدرسة قائمة بذاتها، تتوارثها الأجيال وتستلهم منها الروح.
رفيق درب أبوبكر سالم هو الشاعر الكبير حسين المحضار الذي ترك اليمن ليستقر في أبوظبي، حيث كتب وأبدع وخلّد إرثاً لا يُنسى. ولعل أجمل ما يوثق هذه الثنائية حفلة نادرة على المسرح الوطني في أبوظبي في التسعينات حيث جلس المحضار على خشبة المسرح بجانب أبو بكر سالم، المحضار يقرأ قصائده، فيما يصدح أبو بكر بألحانه، في مشهد معبر عن جلسات السمر الحضرمية، يلخص جوهر الفن اليمني: الكلمة واللحن والصدق.


أما ، فقد كان لها فضل السبق في نشر الفن اليمني خليجياً، فهي الدولة الخليجية الأولى التي احتضنت الفنانين اليمنيين منذ الستينات والسبعينات. عبر شاشة تلفزيون الكويت، بالأبيض والأسود أولاً، ثم عبر التسجيلات الصوتية وأشرطة الكاسيت، تسلل الغناء اليمني إلى كل بيت خليجي. ومن أشهر هؤلاء الفنانين كرامة مرسال الذي غنّى في الكويت أروع أغانيه، ومنها أغنيته الشهيرة:
ما تبت منه مع انه
ما جات منه ولا حسنه
وان جاد لي جاد بالمنه
وفي تلك الفترة أيضاً، كان فيصل علوي، في شبابه بالكويت، سفيراً لفن لحج، يطل بشعره الأفرو وشنبه الكثيف وصوته المجلجل. لا جدال أن عزفه على العود كان من أرقى ما سمعته المنطقة، وأغانيه مثل «يا ورد يا كادي» و«الحسيني جناين» لا تزال تلهب القلوب حتى اليوم. وعلى شاشة تلفزيون الكويت كذلك، عرف الناس محمد مرشد ناجي، أحد عمالقة اليمن، بأغانيه السريعة الراقصة مثل «وعزمت السفر دار الفلك دار»، وبأغنيته الشهيرة:
يا ابن الناس حبيتك..
وبالحب اسقيتك..
وفي الروح خبيتك،
انت القصد والمطلب
يا بخت من حبك
إنها مدرسة يمنية بكل معنى الكلمة، حملتها وسائل الإعلام الكويتية، فبسطت تأثيرها على شعوب الخليج كلها.


إيقاعات اليمن وكلماته العميقة اندمجت مع الأنماط الخليجية الأخرى، فأنتجت لوناً غنياً متجدداً زاد الطرب الخليجي جمالاً ورونقاً، ولم يكن تأثيرها في المواهب الشابة أمراً عابراً، بل تحوّل الفن اليمني إلى مادة أساسية في المنهج الفني لأي مغنٍ خليجي ناشئ.
ولا ننسى الموسيقار أحمد فتحي، الاستثناء الحقيقي في العزف والتلحين. عاش سنوات طويلة في القاهرة، حيث تميزت تسجيلاته بجودة عالية في الصوت والتوزيع. يكفي أن نستمع إلى رائعته«أن يحرمونا يا حبيبي الغرام» لنفهم كيف طوّع العود ليكون رفيق الروح. عاش أحمد فتحي أيضاً فترة في الشارقة، وفيها أسّس مدرسة لتعليم العزف على العود، ومنها خرجت ابنته بلقيس أحمد فتحي، الفنانة الإماراتية ذات النكهة اليمنية الأصيلة، التي ورثت عن أبيها الموهبة وأعادت تقديمها بروح جديدة مبدعة.
وهناك د.عبدالرب إدريس الذي أطل علينا بأغنية:
تعبنا والتعب راحة
معاكم يا حبايب
ومهما في الهوي دبنا
علينا فرض واجب
ثم توالت «صوتك وهمسك» و«ليلة لو باقي ليلة»، وكذلك لحن عبدالرب أغنية «اعترفلك»، وهي من أشهر أغاني عبدالكريم عبدالقادر، وله ألحان أخرى كثيرة مع أشهر الفنانين الخليجيين والعرب.
إن هذا التمازج الفني بين اليمن والخليج ليس مجرد تاريخ، بل هو ميراث حي يتجدد مع كل لحن جديد وصوت صادق. من حضرموت إلى الكويت، من عدن إلى أبوظبي، ومن صنعاء إلى والشارقة، ظل الغناء اليمني خيطاً يجمع الخليج في سبيكة واحدة.
هذا الإرث الغنائي الثقافي الذي يجمع الخليج واليمن، هو جسر للمحبة أولاً وهو نجاح لتمازج فنون المنطقة.
وهذه بحد ذاتها قصة تستحق أن تروى وتصل إلى العالمية عبر أشهر وأكبر دور الأوبرا والمسارح العريقة.

ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة صحيفة الخليج ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من صحيفة الخليج ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.

قد تقرأ أيضا