كتبت أسماء نصار

يعتبر بلح البحر واحدًا من الهدايا الثمينة التي تقدمها لنا البحار، هذا الكائن الرخوي، الذي ينتمي إلى فصيلة ذوات الصدفتين ويعيش ملتصقًا بالصخور، حجز لنفسه مكانة مميزة بين الأغذية البحرية ليس فقط لمذاقه الشهي، بل لما يحتويه من عناصر غذائية تعد أساسًا لمقاومة الأمراض والشيخوخة، إنه وصفة متكاملة للعمر الطويل داخل صدفة متواضعة.

يؤكد الدكتور عاطف عسيلة، وكيل معهد بحوث تكنولوجيا الأغذية بمركز البحوث الزراعية، أن بلح البحر يتميز بكونه مصدرًا غنيًا بالبروتين والمعادن والدهون المفيدة، مما يجعله طعامًا متكاملاً يمد الجسم بالطاقة والعناصر الضرورية. وعلى الرغم من حجمه الصغير، فإن قيمته الغذائية تفوق العديد من الأطعمة الأخرى، ما جعله يدخل بقوة في قوائم الغذاء الصحي العالمية.

1. بروتين عالي الجودة لبناء الخلايا
بلح البحر غني جدًا بالبروتين عالي الجودة، إذ تشكل أنسجته ما يقرب من 15% إلى 20% من وزنه الطازج.

هذه النسبة المرتفعة تجعله مصدرًا ممتازًا لبناء العضلات وتجديد الخلايا. يتميز هذا البروتين باحتوائه على جميع الأحماض الأمينية الأساسية التي لا يستطيع الجسم إنتاجها، مما يجعله غذاءً متوازنًا ومثاليًا للرياضيين وكل من يبحث عن بدائل صحية للحوم.

2. الدهون الصحية: أوميجا-3 حارس القلب
من ناحية الدهون، يُصنف بلح البحر كواحد من أكثر المأكولات البحرية فائدة للقلب، لاحتوائه على نسب مرتفعة من أحماض أوميجا-3 الدهنية غير المشبعة (EPA و DHA) هذان العنصران يعملان معًا على خفض مستويات الكوليسترول الضار، وتنشيط الدورة الدموية، وتقوية جدران الأوعية الدموية، وبالتالي المساهمة الفعالة في الوقاية من أمراض القلب والشرايين وتصلب الأوعية.

3. كنز الفيتامينات والمعادن المقاومة للشيخوخة
يعد بلح البحر كنزًا من الفيتامينات والمعادن الضرورية فهو مصدر غني بـفيتامين B12 (اللازم لدعم الجهاز العصبي)، والحديد (الواقي من فقر الدم)، والزنك (المعزز للمناعة)، بالإضافة إلى الكالسيوم والفوسفور ولا يمكن إغفال احتوائه على السيلينيوم، الذي يعتبر من أقوى مضادات الأكسدة الطبيعية، حيث يحافظ على سلامة الخلايا ويؤخر علامات الشيخوخة وبالمقابل، يُعد من الأطعمة منخفضة السعرات الحرارية، ما يجعله رفيقًا مثاليًا في أنظمة إنقاص الوزن.

لا تقتصر أهمية بلح البحر على قيمته الغذائية فحسب، بل تمتد لتشمل تأثيراته الصحية الواسعة التي تنعكس على مختلف أجهزة الجسم، مما جعله أحد الأغذية الموصى بها في الأنظمة الصحية الحديثة:

دعم صحة القلب والأوعية الدموية: بفضل أوميجا-3، يساهم في خفض الكوليسترول وضبط ضغط الدم، مما يقلل من خطر الإصابة بالجلطات.

تحسين وظائف المخ والذاكرة: الأحماض الدهنية غير المشبعة هي غذاء أساسي لخلايا المخ، وتساهم في تحسين التواصل العصبي وتقليل فرص الإصابة بالأمراض التنكسية كالزهايمر.

تقوية المناعة ومقاومة الالتهابات: يعمل الزنك والسيلينيوم على تعزيز نشاط خلايا المناعة ومكافحة الأجسام الغريبة، كما تساهم هذه العناصر في تقليل الالتهابات المزمنة (مثل الروماتويد).

تعزيز صحة العظام والمفاصل: يمد الجسم بالكالسيوم والفوسفور وأوميجا-3 التي تساعد على بناء العظام وزيادة كثافتها، ويستخدم مستخلصه كمكمل طبيعي لتخفيف آلام والتهابات المفاصل.

دعم الصحة الجنسية والخصوبة: يُعرف باحتوائه على الزنك والسيلينيوم، وهما عنصران أساسيان في إنتاج الهرمونات الجنسية ودعم الخصوبة وجودة الحيوانات المنوية والبويضات.

بلح البحر ليس مجرد غذاء، بل هو ثروة اقتصادية يعتمد عليها آلاف الصيادين والمزارعين حول العالم فبفضل سهولة تربيته وتكاثره، أصبح استزراعه أحد أكثر مشروعات الثروة السمكية نجاحًا في كثير من الدول الساحلية (مثل إسبانيا وفرنسا).

يتم استزراع بلح البحر على نطاق واسع بتكاليف بسيطة وعائد اقتصادي مرتفع، حيث يتغذى طبيعيًا على العوالق. هذه الطريقة تجعل منه مصدرًا للدخل البحري المستدام.

ولا تتوقف أهميته عند الاستهلاك المباشر؛ بل يدخل في صناعة المنتجات المعلبة والمجمدة والمجففة، كما يُعاد استخدام أصدافه في الصناعات اليدوية والحرفية، مما يخلق فرص عمل متنوعة.

من الناحية البيئية، يلعب بلح البحر دورًا حيويًا كـ"منقّي طبيعي" للمياه، حيث يعمل على ترشيح العوالق، مما يُحسن من جودة البيئة البحرية ويجعله مشروعًا بيئيًا واقتصاديًا بامتياز.

يمكن الاستفادة من بلح البحر غذائياً عبر طهيه بالطرق المختلفة (السلق، الشواء، الطهي بالبخار) أو عبر استخلاص مركباته الحيوية في صناعة المكملات، مما يؤكد دوره المتعدد كغذاء، ودواء، ومورد اقتصادي مستدام.