وسط عالم مليء بالخلافات والانقسامات السياسية والفكرية والفنية، نادرًا ما تجد شخصية فنية لا يختلف عليها اثنان. لكن زياد الرحباني، الموسيقي والمسرحي اللبناني، نجح في تحقيق هذه المعادلة المستحيلة.
من الجمهور البسيط إلى النخبة المثقفة، من اليساري الغاضب إلى العاشق الرومانسي، من بيروت الغربية إلى ضواحي دمشق، ومن شوارع القاهرة إلى مقاهي باريس، الكل أحبه، والكل وجد فيه شيئًا من ذاته. فما السر؟ لماذا لم يستطع أحد أن يكره زياد؟ وكيف أصبح فنانًا تتخطى محبته الحواجز السياسية والطائفية والاجتماعية؟
قال ما لا يقال بلغة فهمها الجميع
زياد الرحباني لم يتحدث يومًا من برج عاجي، ولم يتعامل مع الناس كجمهور من بعيد، بل كان يتحدث مثلهم، بلغتهم، بأوجاعهم، بشكوكهم ومرّهم ونكتتهم السوداء. كان صوته صدىً لقلوب الطبقة المتوسطة التي تتقلب على نار الغلاء والخذلان، صوت الشباب الذي فقد الإيمان بكل شيء، وصوت الجيل الذي عاش الحرب ولم ينجُ منها تمامًا.
في مسرحياته، كان يضحك الناس على وجعهم، وفي أغانيه كان يبكيهم دون أن يبكِ، بل بكلماتٍ ساخرة وجارحة وصادقة إلى أقصى الحدود. هو الذي قال "أنا مش كافر.. بس الجوع كافر"، فصارت شعارًا للناس قبل أن تكون مجرد أغنية.
لم يعتمد على العائلة
صحيح أنه ابن السيدة فيروز والعبقري عاصي الرحباني، لكنه لم يعتمد على اسمه العائلي، بل صنع لنفسه طريقًا فنيًا مختلفًا، مشاكسًا، ساخرًا، صادمًا، ومليئًا بالأسئلة التي لا إجابات لها. كان يمكن أن يعيش في ظل اسم والديه ويكتفي، لكنه تمرد مبكرًا، وأثبت أنه "ابنهم فعلًا"، لكنه "مش نسختهم".
جمع بين الإرث الرحباني المليء بالحنين والحلم، وبين الواقعية الفجة التي ترجمها بجمله وموسيقاه المسرحية، التي كشفت عورات النظام الاجتماعي والسياسي العربي، دون خطب أو شعارات.
عبقري موسيقي لا يشبه أحدًا
ألحان زياد الرحباني لا تشبه أحدًا. فيها خليط مدهش من الجاز والموسيقى الشرقية والمسرح الساخر وحتى موسيقى الشوارع. استطاع أن يخلق توقيعه الموسيقي الخاص، الذي يعرف من أول نغمة، ويجمع بين التعقيد الفني والسهولة العاطفية. يستحيل أن تسمع شو باقي أو بما إنو الوقت ضيق أو عودك رنان دون أن تشعر بأنك أمام تركيبة فنية نادرة.
قام بإعادة تقديم ألحان والدته فيروز بأسلوب جديد، مما جعل الجيل الحالي يكتشفها مجددًا بروح أكثر جرأة وعمقًا، مع إبراز ارتباطها بالواقع المعاصر.
رجل لا يعرف المجاملات
في زمن أصبح فيه التظاهر بالفن وسيلة للنجاة، اختار زياد التمسك بمبادئه بصدق، حتى وإن كان الثمن خسارة جمهور أو تحالف أو مكاسب. عبّر عن رأيه بوضوح ومضى دون أن يهادن سلطة، أو يروّج لفكرة لا يؤمن بها، أو يرتدي قناع الفن لإرضاء الأسواق. لهذا السبب، احترمه حتى من يختلفون معه، لأنهم يدركون أنه صادق ولا يساوم على مواقفه لقاء تصفيق.
نجم غير تقليدي
زياد لم يظهر على أغلفة المجلات كثيرًا، لم يلهث وراء الأضواء، لم يكن صاحب حفلات صاخبة أو مهرجانات ضخمة. لكنه كان دائمًا حاضرًا، في المقاهي، في نقاشات الناس، في الجلسات الحميمة، في سهرات العشاق، في نكت الساخرين، في دموع المتأملين. زياد لم يكن فقط فنانًا، بل "مزاجًا عامًا"، وأثرًا متجددًا.
جمع بين المتناقضات في شخص واحد
يساري لكنه ابن واحدة من أبرز رموز الفن اللبناني المحافظ، مسرحي ساخر لكنه حالم رومانسي، ناقد شرس لكنه حساس، موسيقي نخبوي لكن جمهوره شعبي. جمع بين المتناقضات وصهرها في بوتقة واحدة، فخرج لنا فنانًا كامل الطعم، متعدّد الألوان، لا يُملّ.
مواقف ثابتة وصدق دخل به القلوب
لم يحب العالم زياد الرحباني لأنه ابن فيروز، ولا لأنه فقط موهوب، بل لأنه كان – وما زال – صادقًا، شجاعًا، مختلفًا، موجعًا، وساحرًا في الوقت نفسه. من يستطيع أن يكتب "ع هدير البوسطة" وفي الوقت ذاته "أنا اللي عليّي عملتو"، وأن يضحكك ويبكيك في نفس الدقيقة، وأن يجعلك تفكر، وتغضب، وتحب... هو فنان يستحق أن يُجمع الناس على حبه، رغم كل خلافاتهم.
شاهدي أيضاً: فيروز تنهار حزناً بعد رحيل ابنها زياد الرحباني
شاهدي أيضاً: أهم الأزمات في حياة عبقري الموسيقى زياد الرحباني
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة ليالينا ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من ليالينا ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.