الارشيف / اقتصاد / صحيفة الخليج

دمج الثقافة المالية في السياسات الأوروبية

يشير مصطلح الثقافة المالية، في مستواه الأساسي، إلى امتلاك المعرفة والمهارات اللازمة لاتخاذ قرارات مالية سليمة. وسواء كان الأمر يتعلق بفتح حساب مصرفي، أو التقدم بطلب للحصول على عقاري، أو تمويل ما، أو الاستثمار، أو حتى الادخار للتقاعد، يتعين علينا جميعاً اتخاذ قرارات مالية طوال حياتنا، وغالباً على أساس يومي. فامتلاك ثقافة مالية جيدة، يمنعنا من الوقوع في براثن الديون والمخاطرة المفرطة، والتعرض للاحتيال الإلكتروني. ولكن لسوء الحظ، تشير الدراسات الحديثة إلى أن نصف سكان الاتحاد الأوروبي فقط، من البالغين يملكون فهماً لأساسات الثقافة المالية. ففي لمؤسسة «بروغل» عن المعرفة المالية في الاتحاد الأوروبي، تبين أن واحداً فقط، من كل فردين شملهم الاستطلاع كان على دراية مالية. وسلطت الدراسة الضوء بشكل خاص على الفجوات في المعرفة لدى الجيل الأصغر سناً، فضلاً عن الفجوة بين الجنسين، حيث أجاب 18% من الرجال أكثر من النساء على ثلاثة من الأسئلة الخمسة للاستطلاع بشكل صحيح.
وهذا أمرٌ مقلق للغاية، ليس على المستوى الفردي فقط، حيث يمكن للاختيارات المالية السيئة أن تغرق الناس في الديون، والتوتر، والقضايا القانونية، بل وأيضاً على المستوى الوطني، وعلى مستوى الاتحاد الأوروبي، حيث يمكن أن يحد الافتقار إلى الثقافة المالية من الوصول إلى فرص النمو الاقتصادي.
على مستوى الخطابات، لطالما قدّم صناع السياسات في الاتحاد الأوروبي دعمهم الكامل للجهود الرامية إلى تعزيز أجندة الثقافة المالية. لكن على المستوى العملي، كان العمل ضعيفاً في أفضل أحواله، ولم يكن هناك متابعة حقيقية للالتزامات تعهدت بها الكتلة. والآن، باتت الحاجة إلى تعزيز الثقافة المالية أكثر أهمية بعد أن التزمت المفوضية الأوروبية بتعميق أسواق رأس المال في الاتحاد الأوروبي. ويهدف «اتحاد أسواق رأس المال» إلى جعل الاستثمار والمدخرات تتدفق عبر جميع الدول الأعضاء، وتعزيز الأعمال التجارية ودعم الاقتصاد الأخضر، والرقمي، والشامل، الذي يتمتع بالمرونة في مواجهة الصدمات المالية العالمية. وهذا المشروع السياسي هو بلا شك، الأكثر أهمية في السنوات الخمس المقبلة، ولكن لن يتسنى تنفيذه إلا إذا كان لدى الاتحاد الأموال الكافية لتلبية طموحاته، ونجح في تعبئة رأس المال الخاص، إضافة إلى التمويل العام.
حالياً، تعاني الخزانة العامة للاتحاد الأوروبي من ضغوط شديدة بحيث لا تستطيع تمويل طموحات أوروبا وحدها. كما أن القيود السياسية مثل المصالح الوطنية، والمشاعر الشعبوية، وقضايا تخصيص الموارد، تزيد الأمور تعقيداً. لذلك، يتعين على الاتحاد الأوروبي الاستفادة من خزّانه الضخم من مدخرات الأسر الخاصة، والتي تقدر بنحو 33.4 تريليون يورو، ولا يتم استخدامها حالياً، لأن الناس يفضلون النقد على الاستثمارات السوقية، والتي غالباً ما يُنظر إليها على أنها محفوفة بالمخاطر، أو معقدة للغاية.
في غضون ذلك، من شأن زيادة تثقيف الأفراد بالقضايا المالية، وكيفية عمل الأسواق أن يساعدهم على تنمية ثقتهم المالية، واتخاذ قرارات استثمارية مستنيرة. وهذا هو الهدف الذي يحاول الاتحاد الأوروبي بالفعل دعمه من خلال «استراتيجية الاستثمار في التجزئة». والخطوة التالية هي أن يأخذ الاتحاد على محمل الجد، ويتابع الالتزامات التي تعهد بها في استنتاجات المجلس بشأن الثقافة المالية في مايو/ أيار. كما أن المعرفة الأفضل بالشؤون المالية الشخصية من شأنها أن تعزز مشاركة التجزئة في أسواق رأس المال، وتسهم في تعزيز الاستقرار المالي بشكل عام في الاتحاد الأوروبي.
إن تشجيع المشاركة الأوسع من المجموعات الديموغرافية المتنوعة يضمن أيضاً سوقاً مالية أكثر شمولاً، والتي يمكنها التكيف بشكل أفضل مع التغيرات الاقتصادية. وهذه هي الثقة المالية المطلوبة لظهور وحدة إدارة رأس المال الحقيقية. وهناك عامل آخر يعزز الحاجة إلى تحسين الثقافة المالية الأوروبية، وهو «رقمنة الخدمات المالية». حيث يتطلب انتشار منصات الاستثمار، بالتجزئة والذكاء الاصطناعي والعملات المشفرة، دراية جيدة، ومهارة مالية رفيعة المستوى. ولابد من التحول نحو فهم أوسع للثقافة المالية يتجاوز تبادل المعلومات البسيطة، والتدريس التقليدي للمعرفة المالية، كما يجب التركيز على السلوكات والعادات المالية أيضاً. فعلى سبيل المثال، يمكن استخدام التعليم المالي لتثقيف الناس بكيفية استخدام الميزانية، ومنصات الاستثمار، وأدوات الادخار الآلية، لتحسين صحتهم المالية، والتخطيط الممنهج للمستقبل.
إن تعليم عادات مالية جيدة اليوم أصعب من أي وقت مضى، لأن المال أصبح بنسبة كبيرة غير ملموس، ولا مرئي، وقلة قليلة من الناس يحملون أوراقاً نقدية، أو عملات معدنية مادية. لذا، نحن بحاجة إلى إعادة التفكير في كيفية تعاملنا مع الثقافة المالية، والعادات المالية الجيدة في كل مكان، وعبر السياسات العامة.
في على سبيل المثال، وهي دولة ذات تصنيفات عالية في الثقافة المالية، يدعم بنك «دانسك» التثقيف المالي في المدارس، ويساعد الشباب وأولياء أمورهم على اكتساب الثقة المالية. وقد سلط البنك الضوء على الفرق بين المعرفة المالية، والعادات المالية، وكشف أمامنا حقيقة مفادها أن أغلبية الناس يعرفون ما يجب عليهم فعله بأموالهم، لكنهم لا يزالون لا يفعلون ذلك.
ومع عودة البرلمان الأوروبي من عطلته الصيفية، وانتقال المفوضية إلى شكلها الجديد، يبدو الوقت مناسباً الآن لوضع الثقافة المالية على رأس أجندة المشرعين الأوروبيين.
يوروآكتيف

ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة صحيفة الخليج ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من صحيفة الخليج ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.

قد تقرأ أيضا