تيد جنكين *
يبدو وأن أمريكا تسير على مسار مالي غير مستدامٍ، تجاوز فيه الدين الوطني 36.5 تريليون دولار، من دون أي علامات على التباطؤ. وكلا الحزبين متواطئان، لكن الدفع المستمر من جانب اليسار لتوسيع الحكومة والبرامج الاجتماعية والإنفاق المتهور هو الذي وضع البلاد على الطريق الصحيح نحو 40 تريليون دولار من الديون الحتمية.
وعندما تفحص عن كثب ما يحدث للميزانية المالية، لا يوجد سوى أربعة بنود أساسية تشكل جوهر النفقات الإجمالية في الولايات المتحدة، وهي:
1. برامج الرعاية الصحية. والتي تمثل مجتمعة ما يقرب من 1.67 تريليون دولار سنوياً من الإنفاق، وهو ما يعادل نحو 24% من الميزانية الفيدرالية. فالشيخوخة السكانية وارتفاع تكاليف الرعاية الصحية يجعلان من الصعب الحد من الإنفاق في هذا المجال.
2. الضمان الاجتماعي. والذي يشكل 21% من الميزانية، مع إنفاق سنوي يبلغ نحو 1.5 تريليون دولار. ويقدم مزايا التقاعد والعجز للمواطنين المؤهلين، بالتالي، فإن أي محاولات لتقليص مزاياه تواجه مقاومة سياسية كبيرة.
3. الفائدة الصافية على الدين. وهنا يكمن جزء من المشكلة حول سبب حتمية ديون بقيمة 40 تريليون دولار. حيث تبلغ مدفوعات الفائدة على الدين الوطني 1.1 تريليون دولار سنوياً، وتشكل 15.6% من الميزانية. ومع نمو الدين وارتفاع أسعار الفائدة، فإن مدفوعات الديون هذه تشبه الأسرة التي تراكمت أمامها ديون بطاقات ائتمانية هائلة وتسير على طريق مسدود في اتجاه واحد نحو الإفلاس.
4. الإنفاق الدفاعي. والذي يعادل 884 مليار دولار، أي نحو 12.5% من الإنفاق الفيدرالي، بما يشمل تمويل العمليات العسكرية، والأفراد، والمعدات، والبحوث. وبسبب المخاوف المتعلقة بالأمن القومي والديناميكيات الجيوسياسية، فإن تخفيضات الدفاع أمر حساس سياسياً.
إذن، عندما تجمع هذه البنود الأربعة، فإنها تشكل قرابة 73% من الميزانية المالية الإجمالية. وبالتالي، من المنطقي أن نهز الحكومة الفيدرالية رأساً على عقب كما لو كنا نبحث عن عملات معدنية في أريكة، لبدء خفض في الإنفاق الحكومي الإجمالي. ومع ذلك، فإن خفض الإنفاق في هذه المجالات محفوف بالتحديات. فالرعاية الصحية والضمان الاجتماعي أمران حيويان لملايين الناس، وأي تخفيضات قد تكون لها آثار اجتماعية واسعة النطاق. والإنفاق الدفاعي مرتبط ارتباطاً وثيقاً بالأمن القومي، ما يجعل التخفيضات مثيرة للجدل سياسياً. كما أن مدفوعات الفائدة إلزامية، ومع تصاعد الدين، تتصاعد هذه المدفوعات أيضاً، ما يخلق حلقة مفرغة.
فماذا عن توليد المزيد من الإيرادات؟ مع وجود أكبر ثلاثة مصادر لها. تتجه الإيرادات الفيدرالية حالياً إلى تجاوز عتبة ال 5 تريليون دولار بقليل، وعلى الرغم من الضجة حول التعريفات الجمركية والضرائب الأخرى، فإننا نحصل على الإيرادات من ثلاثة مصادر:
1. ضرائب الدخل الفردي. والتي تسهم بنحو 51.6% من إجمالي الإيرادات الفيدرالية. لكن زيادة معدلات الضريبة يشكل تحدياً سياسياً وقد يثبط النمو الاقتصادي، لأن أعلى مستويات الدخل يكسبها أولئك الذين يبدؤون الأعمال التجارية ويخلقون فرص العمل للأمريكيين.
2. ضرائب الرواتب. والتي تمثل نحو 33% من الإيرادات الفيدرالية، وتمول برامج التأمين الاجتماعي مثل الضمان الاجتماعي والرعاية الطبية. وقد جرى مناقشة الكثير من المقترحات على مدى السنوات الخمس والعشرين الماضية حول كيفية إصلاح الدخل من هذه المصادر.
3. ضرائب دخل الشركات. وهنا يشتكي البعض من أنه إذا خفض الرئيس دونالد ترامب الضرائب على الشركات، فقد يؤدي ذلك إلى إلحاق ضرر كبير بالاقتصاد. والحقيقة هي أن الضرائب التي تقدمها الشركات لا تساوي سوى 9% من الإيرادات الفيدرالية. وحتى إذا عادت معدلات الضرائب على الشركات إلى 35%، فإن العائدات الضريبية المكتسبة من هذا التغيير قد تتضاءل مقارنة بجعل الولايات المتحدة جذابة وتنافسية للشركات لتستقر في بلدنا.
إن توسيع الإيرادات من كل هذه المصادر أمر إشكالي. فالضرائب الفردية المرتفعة قد تثبط إنفاق المستهلكين ومدخراتهم. وتفرض الضرائب المرتفعة على الرواتب عبئاً على كل من الموظفين وأصحاب العمل، ما قد يؤثر في معدلات التوظيف. وقد تدفع زيادة الضرائب على الشركات قطاع الأعمال إلى نقل معظم عملياته إلى الخارج.
حتى الآن، تقدر خطة الإصلاح الضريبي أكثر من 100 مليار دولار من المدخرات. وهذا مزيج من مبيعات الأصول، وإلغاء العقود والإيجارات وإعادة التفاوض عليها، والاحتيال وحذف المدفوعات غير اللائقة، وإلغاء المنح، وتوفير الفائدة، والتغييرات البرمجية، والمدخرات التنظيمية، وخصومات القوى العاملة. دعونا لا نستهين بحقيقة أن 100 مليار دولار ذات مغزى، لكنها بعيدة كل البعد عن سد الفجوة في العجز المالي البالغ تريليوني دولار والذي نعانيه الآن، ونصف هذا العجز قادم من الفائدة الصافية على الدين.
تسابق الولايات المتحدة الزمن نحو 40 تريليون دولار من الديون، وستكون العواقب وخيمة. والتضخم والركود الاقتصادي وتراجع المكانة العالمية ليست سوى جانب بسيط من المخاطر التي سنواجهها إذا لم ننظم بيتنا المالي. وما لم نفعل شيئاً قريباً، فإن إدمان واشنطن على الإنفاق وعدم رغبة الطبقة السياسية في اتخاذ خيارات صعبة، يجعلان من تراكم الديون أمراً ليس ممكناً فحسب بل واقع لا مفر منه.
*رئيس شركة «إكزت ستاج ليفت أدفايزرز» للاستشارات«فوكس نيوز»
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة صحيفة الخليج ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من صحيفة الخليج ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.