في أغسطس 2020، أعلنت "مايكروستراتيجي"، وهي شركة تحليلات برمجية أمريكية، عن خطوة غير تقليدية؛ تحويل 250 مليون دولار من احتياطاتها النقدية إلى عملة بيتكوين.
لم يكن ذلك مجرد تنويع أصول، بل إعلان ثقة صريح في مستقبل نقدي بديل، خارج سيطرة البنوك المركزية، في خطوة أعقبها دخول "تسلا" إلى مضمار هذا السباق بشراء ما قيمته 1.5 مليار دولار من البيتكوين.
للاطلاع على المزيد من المواضيع والتقارير في صفحة مختارات أرقام
ولحقتهما شركات صغيرة ومتوسطة من مجالات بعيدة عن التقنية – مطاعم، شركات طاقة، حتى بعض شركات التأمين – تحركت كلها تحت شعار جديد: "البيتكوين هو الذهب الرقمي، والنقد يتآكل بسبب التضخم".
وفي مشهد غير مألوف في تاريخ الشركات الحديثة، بدأت هذه المؤسسات في ضخ أموال نقدية، بل وحتى الاقتراض أو بيع أسهمها، فقط لتكديس وحدات من عملة رقمية لا تملك دولة حق إصدارها أو تتحكم فيها.
فهل هذا السلوك هو استجابة ذكية لعصر التضخم المرتفع وأسعار الفائدة المتقلبة؟ أم أنه انجراف جماعي وراء أصل شديد التقلب يهدد استقرار القوائم المالية؟
ماذا حققت مايكروستراتيجي؟
- منذ بدأت رحلة شركة البرمجيات مع العملة المشفرة قبل 5 سنوات، قفزت محفظتها إلى أكثر من 580 ألف بيتكوين الآن، والتي تتجاوز قيمتها (بسعر السوق اليوم) 62 مليار دولار.
- في حين يتراوح سعر السوق الآن بين 107 آلاف إلى 110 آلاف دولار للبيتكوين الواحدة، فإن متوسط السعر الذي اشترت به "مايكروستراتيجي" حيازاتها الضخمة يبلغ 68.8 ألف دولار بتكلفة إجمالية تصل إلى 39.9 مليار دولار تقريبًا.
- هذا يعني مكسبًا ضخمًا للشركة يتجاوز 20 مليار دولار في فترة 5 سنوات، أو أكثر من 4 مليارات دولار سنويًا، علمًا بأن إيرادات "مايكروستراتيجي" من عملياتها لم تتجاوز 500 مليون دولار سنويًا في هذه الفترة.
- بالنسبة لـ "تسلا"، التي اشترت البيتكوين في فبراير 2021 بنحو 1.5 مليار دولار، وصلت حيازاتها إلى 42.9 ألف وحدة سريعًا، لكنها باعت 75% منها بحلول يوليو 2022، مقابل 960 مليون دولار.
- أوقفت "تسلا" خطتها لقبول البيتكوين كعملة دفع بسبب الأثر البيئي الناتج عن عمليات التعدين، ومع ذلك، فإن الحصة الصغيرة التي تبقت لديها نمت قيمتها بشكل كبير لتتجاوز 1.2 مليار دولار مقارنة بـ 184 مليون دولار في نهاية 2023.
- مع ذلك، فإن "تسلا" لا تبدو كشركة بحاجة لمثل هذا النوع من الاستثمار الخطر لتعزيز القيمة ومكافأة المستثمرين، حيث بلغت إيراداتها 97 مليار دولار في العام الماضي، وصافي دخل يتجاوز 7 مليارات دولار.
الحمى تنتشر
- وافق مجلس إدارة "جيم ستوب" في وقت سابق من هذا العام، على خطة لإضافة البيتكوين كأصل في ميزانيتها العمومية، وهو ما دفع سهم بائعة ألعاب الفيديو للارتفاع.
- ارتفع سهم الشركة بأكثر من 20% منذ أعلنت عن تبنيها نهجًا مماثلًا لـ "مايكروستراتيجي" في أواخر مارس، لكنه شهد تقلبات حادة خلال هذه الفترة، كان آخرها الأربعاء.
- أعلنت الشركة أمس شراء 4710 بيتكوين، بقيمة إجمالية تزيد على 500 مليون دولار، وهي أول معاملة في محفظتها الاستثمارية الجديدة للعملات المشفرة، لكن رد فعل المستثمرين كان عنيفًا، حيث هبط السهم بنحو 11%.
- حتى شركة "ترامب ميديا" التابعة للرئيس الأمريكي، أعلنت الثلاثاء، أنها ستجمع 2.5 مليار دولار من مؤسسات استثمارية لشراء البيتكوين، وذلك عبر بيع ملايين الأسهم، بالإضافة إلى سندات قابلة للتحويل.
- انخفض سهم الشركة عقب هذا الإعلان بأكثر من 10% خلال جلسة الثلاثاء، كما تراجع بنسبة 6.7% الأربعاء، ويرجع ذلك لحقيقة أن عملية بيع الأسهم (58 مليون سهم) قد تخفض من قيمتها.
ماذا يستفيد المساهمون؟
- بمرور الوقت، تحولت الصورة الذهنية لعلامة "مايكروستراتيجي" التي غيرت اسمها مؤخرًا إلى "استراتيجي"، من شركة متخصصة في البرمجيات إلى طريقة سهلة ومفهومة للرهان على البيتكوين، أو بمثابة صندوق متداول لهذا الأصل الرقمي.
- قد يفضل المستثمرون امتلاك سهم "جيم ستوب" أو "مايكروستراتيجي" بدلًا من شراء البيتكوين مباشرةً لعدة أسباب، أولها، أن سعر سهم الشركة يتحرك مثل سعر البيتكوين المدفوع بالرافعة المالية بدلًا من أن يتطابق معه تمامًا، وهذا قد يكون جذابًا للمتداولين قصيري الأجل الذين يرغبون فقط في استغلال زخم السوق.
- في حالات أخرى، قد يرغب المستثمرون في الاستفادة من البيتكوين، لكنهم لا يستطيعون شرائها مباشرةً بسبب القيود التنظيمية أو قيود الحفظ أو المنصات، وبالتالي توفر أسهم مثل هذه الشركات فرصة استثمارية مناسبة.
- هناك سبب آخر أكثر أهمية ينطبق أحيانًا، حيث تتخلف أسعار هذه الأسهم عن تحركات سعر البيتكوين في بعض الأوقات، وبالتالي يعتبرها المستثمرون أسعارًا خاطئة مؤقتًا مقارنةً بالقيمة الأساسية للبيتكوين ويمكنهم الاستفادة من هذا الفرق.
- بلغ سعر البيتكوين نحو 11680 دولارًا في أغسطس عام 2020، لكنه الآن يقترب من 110 آلاف دولار، بزيادة قدرها 840% تقريبًا، فيما ارتفع سهم "مايكروستراتيجي" منذ ذلك الحين بأكثر من 2500%.
هل هذه الطريقة الأمثل؟
- عند شراء أسهم هذه الشركات، فأنت لا تشتري البيتكوين فحسب، بل تشتري مخاطر إضافية، إذ لا تعكس هذه الأسهم سعر بيتكوين فقط، بل يضاف إليها هامش مخاطر التشغيل ومخاطر تخفيف القيمة ومخاطر الإدارة.
- على سبيل المثال، لا تمتلك "جيم ستوب" استراتيجية تشغيلية للعملات المشفرة، ولا قاعدة إيرادات مستقرة، ورحل الكثير من كوادرها ونفدت أفكارها بوتيرة سريعة للغاية خلال السنوات القليلة الماضية.
- هناك أيضًا خيارات أكثر أمانًا وأرخص وأكثر شفافية الآن، بعد اعتماد المنظمين الأمريكيين صناديق الاستثمار المتداولة الفورية للبيتكوين، والتي تجعل الاستثمار مباشرًا في مثل هذه الأصول، وتفرض رسومًا أقل، وتتجنب مخاطر التخفيف والإدارة.
- في النهاية، فإن "جيم ستوب" مجرد شركة تجزئة تعتمد على المتاجر، ونشاطها الأساسي آخذ في التلاشي، و"مايكروستراتيجي" لا تزال شركة برمجيات متوسطة الحجم، ولم يتغير نماذجا أعمالهما الأساسية أبدًا، فقط أعادتا توزيع للأصول.
- هذا يثير تساؤلًا مهمًا للغاية: لماذا قد يراهن المستثمر على أصل من خلال وسيط محاط بالمخاطر وازدواجية الاهتمامات، في حين يمكنه الاستثمار في نفس الأصل بشكل مباشر وبرسوم أقل مع ضمان دقة في التسعير؟
خلل عميق
- يعتقد "مايكل سايلور" رئيس "مايكروستراتيجي" أن موجة صعودية قادمة لسعر البيتكوين ستقودها 12 ألف شركة عامة أمريكية "فقد السوق اهتمامه بها"، بعد تحولها إلى الرهان على العملة المشفرة، والتي يعتقد أن قيمتها قد تبلغ 13 مليون دولار بحلول عام 2024.
- ارتفع عدد الشركات المدرجة التي تمتلك محفظة من عملات البيتكوين من 89 في بداية شهر أبريل إلى 113 الآن، وتمتلك معًا ما يزيد قليلاً على 800 ألف بيتكوين بقيمة حوالي 88 مليار دولار.
- هذا يعكس وضع يعتبره البعض شاذًا، إذ يرى محللون أنه ليس من المنطقي احتفاظ الشركات بقدر هائل من الكاش في ميزانياتها العمومية لفترة طويلة، وأن الأفضل إعادته للمساهمين وتركهم يقررون ما يفعلونه به.
- إن خللًا عميقًا طرأ على السوق وسلوك المساهمين، حيث أصبحت شركات مثل "آبل" و"بيركشاير هاثاواي" بمثابة حصالات ضخمة لاكتناز النقدية، وسط صمت من المستثمرين، وتستغل بعض الشركات هذا الوضع من خلال الاحتفاظ بالبيتكوين بدلاً من الدولار.
- تسوق هذه الشركات حجج مثل "تحقيق ربح من خلال ارتفاع السعر" و"البيتكوين هي المستقبل"، ورغم أن ذلك قد يكون منطقيًا نوعًا ما، فإنه لا ينفي حقيقة أن هذه الاستراتيجية محفوفة بالمخاطر، وأن تجربة "مايكروستراتيجي" ليست بالضرورة قابلة للنسخ.
وأنت برأيك: هل ترى أن استثمار الشركات في البيتكوين (باستخدام الكاش والديون وحتى مبيعات الأسهم) يحقق قيمة حقيقية؟ أم يمثل مجازفة إضافية؟
المصادر: أرقام- بيتبو- كومبانيز ماركت كاب- بيانات تسلا- ماركت ووتش- نيويورك تايمز- رويترز- كوين ديسك- تيستي لايف- فوربس- فايننشال تايمز
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة ارقام ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من ارقام ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.