د. رامي كمال النسور
في خطوة تاريخية تعزز فك الارتباط بالدولار، أبرمت الصين والبرازيل اتفاقاً يسمح بالتجارة بالعملة المحلية بين أكبر اقتصادين في آسيا وأمريكا الجنوبية. هذه الخطوة تمثل تحدياً جديداً لهيمنة الدولار على التجارة العالمية، فهل بدأ العالم يشهد فعلياً تحولات في موازين القوة المالية؟
كما أعلنت مصر، بأنها ستتبع نفس المبدأ مع الصين وروسيا للتبادل التجاري بالعملات المحلية اليوان والروبل. ورغم أن الاتفاقية بين البرازيل والصين تبدو محلية، إلا أنها تحمل تداعيات أوسع نطاقاً على ديناميكيات التجارة العالمية والدور المستقبلي للدولار في الأسواق الدولية.
بداية لنسأل السؤال التالي: لماذا اتخذت الصين والبرازيل هذه الخطوة؟ تُعدّ الصين أكبر شريك تجاري للبرازيل، حيث يتجاوز حجم التجارة الثنائية 150 مليار دولار سنوياً، وتشمل سلعاً مثل فول الصويا وخام الحديد والنفط والسلع المصنعة. ويُقلل استخدام العملات المحلية من تكاليف المعاملات، ويحمي البلدين من تقلبات سعر صرف الدولار، ويعزز الروابط المالية بين الاقتصادين الرئيسيين في آسيا وأمريكا اللاتينية.
وبالنسبة للصين، تتماشى هذه الخطوة مع هدفها الاستراتيجي المتمثل في تدويل اليوان، وتقليل الاعتماد على الدولار، وهو ركيزة أساسية لاستراتيجيتها المالية والجيوسياسية طويلة الأجل. أما بالنسبة للبرازيل، فتُتيح هذه الاتفاقية مرونة في إدارة الاحتياطيات الأجنبية، وتنويع التعرض للعملات، وخفض تكاليف التجارة. كما تجعلها تتحرر ولو معنوياً من التبعية المطلقة للولايات المتحدة الأمريكية.
وهنا الآثار في التجارة والتمويل العالميين
تُمثل هذه الاتفاقية خطوةً نحو بيئة عملات متعددة الأقطاب في التجارة العالمية، مُتحدية بذلك الهيمنة التاريخية للدولار. وفي حال نجاحها، فقد تُشجع دول البريكس الأخرى والأسواق الناشئة على إبرام اتفاقيات مماثلة مع الصين، مما يُعزز شبكة من طرق التجارة التي تتجاوز الدولار.
وبالإضافة إلى ذلك، يُمكن أن تُعزز الاتفاقية مصداقيــة اليوان وسيولتــــه فــــي الأسواق الدولية، خاصةً إذا بدأت البرازيل في الاحتفاظ باحتياطيات أكبر منه أو الاستثمار في أصول مُقوّمة به. بالنسبة للبرازيل، تُوفر هذه الاتفاقية تحوّطاً ضد تقلبات الدولار، التي أثرت تاريخياً في اقتصادات أمريكا اللاتينية، خلال فترات تشديد السياسة النقدية الأمريكية.
وهنا يأتي التساؤل التالي: ما هو التأثير في الدولار الأمريكي؟ على المدى القصير، سيكون للاتفاقية «تأثير مباشر محدود» في الدولار، إذ لا تزال التجارة العالمية تعتمد عليه بشكل كبير، حيث لا يزال أكثر من 80% من التجارة يُسوى بالدولار. ومع ذلك، ومع تجربة المزيد من الدول لترتيبات تجارية بالعملة المحلية، فقد يؤدي ذلك تدريجياً إلى تراجع هيمنة الدولار في المعاملات.
علاوة على ذلك، تُسلط الاتفاقية الضوء على توجه عالمي متزايد نحو تقليل الاعتماد على الدولار، والذي تسارعت وتيرته بسبب المخاوف بشأن العقوبات الأمريكية، والتسليح المالي، وتقلب أسعار الفائدة، وكذلك سعي الولايات المتحدة والرئيس ترامب لخفض قيمة الدولار. وإذا استمر هذا التوجه وتكرر في قطاعات مثل تجارة الطاقة والتكنولوجيا، فقد يُؤدي التأثير التراكمي إلى تآكل بعض الامتيازات التي يتمتع بها الدولار، بما في ذلك انخفاض تكاليف الاقتراض للولايات المتحدة ومزايا رسوم سك العملة.
الآن وفي حين أن الاتفاقية رمزية، فما هي التحديات المقبلة؟ حقيقة لا تزال هناك تحديات عملية في تجارة العملات المحلية، بما في ذلك إدارة سعر الصرف، وقيود السيولة في العملات غير الدولارية، وغياب أسواق عميقة وسيولة لليوان والريال مقارنة بالدولار. الثقة والقدرة على التنبؤ، وهما حجرا الزاوية في نظام الدولار، سيستغرقان وقتاً لتكرارهما.
علاوة على ذلك، ستُقيّم الدول فوائد تقليل الاعتماد على الدولار، مقابل استقرار وعمق الأسواق المالية القائمة على الدولار. لكي يحل اليوان محل الدولار أو يُنافسه بشكل كبير، ستحتاج الصين إلى تحرير أسواق رأس المال لديها بشكل أكبر، وهو مجال لا تزال تمارس فيه سيطرة كبيرة.
ختاماً، تُعدّ اتفاقية تجارة العملات المحلية بين الصين والبرازيل علامة فارقة في التحرك البطيء، وإن كان ملحوظاً، نحو نظام نقدي عالمي أكثر تنوعاً. ورغم أن التأثير الفوري على الدولار هامشي، إلا أنها تُشير إلى ديناميكيات التجارة والتمويل العالميين المتغيرة، مما يعكس صعود الصين كقوة تجارية ورغبة الأسواق الناشئة في تقليل تأثرها بالدورات المالية، التي تُركّز على الدولار.
مع مرور الوقت، إذا ما تم تكرار هذه الاتفاقيات على نطاق واسع، فقد تُضعف بعض هيمنة الدولار، مما يخلق بيئة عمل أكثر تعدداً للأقطاب. بالنسبة لصانعي السياسات والمستثمرين والشركات العالمية، سيكون فهم هذه التحولات أمراً بالغ الأهمية للتعامل مع المشهد الاقتصادي العالمي المتطور، ولكننا هنا نتحدث عن أجل طويل وتحول جماعي دولي كبير نحو الاستغناء عن الدولار.
* مستشار في الأسواق المالية والاستدامة
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة صحيفة الخليج ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من صحيفة الخليج ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.