في سبتمبر من العام الماضي أعلنت شركة مايكروسوفت، العملاقة الأميركية في مجال البرمجيات والحوسبة السحابية، عن برنامج إعادة شراء أسهمٍ جديد بقيمة 60 مليار دولار أمريكي.
واتخذ مجلس الإدارة القرار بعد أن ارتفعت أرباح الشركة وازدادت الثقة في نموّها المستقبلي بفضل استثماراتها الضخمة في الذكاء الاصطناعي والبُنى التحتية السحابية.
وبالطبع يعلم المستثمرون ذوو الخبرة أن هذا القرار يصب في مصلحتهم، إذ إن خفض عدد الأسهم المتاحة في السوق يرفع عادةً من ربحية السهم ويعزز القيمة السوقية للمساهمين الحاليين.
في حين يشير البعض إلى جانب آخر من المعادلة وهي أن تلك العملية ما هي إلا مكافآت للإدارة، إذ إن الكثير من خطط الحوافز التي يحصل عليها التنفيذيون في الشركات الأميركية على سبيل المثال مرتبطة مباشرةً بأداء السهم وربحية السهم.
وبالتالي، فإن إعادة الشراء قد تُفسَّر أحيانًا كخطوة تُعزز مكاسب الإدارة بقدر ما تفيد المساهمين.
ما هي إعادة شراء الأسهم؟
يشير مفهوم إعادة شراء الأسهم (أو إعادة شراء الحصص) إلى قيام الشركة بشراء أسهمها المتداولة في السوق حيث يؤدي ذلك إلى تقليل عدد الأسهم المملوكة من قبل المساهمين الخارجيين، وبالتالي زيادة نصيب السهم الواحد من الأرباح.
وعادةً ما تُموَّل عمليات إعادة الشراء من خلال فوائض نقدية تمتلكها الشركة أو من خلال الاقتراض.
وعندما تنفذ الشركة عملية إعادة شراء، فإنها تعطي إشارة ضمنية إلى السوق بأنها ترى سهمها مقوَّمًا بأقل من قيمته الحقيقية أو أنها تملك سيولة كافية تسمح لها بإعادة توزيع جزء منها على المساهمين بطريقة غير مباشرة.
للاطلاع على المزيد من المواضيع والتقارير في صفحة مختارات أرقام
بالإضافة إلى تعزيز القيمة السوقية للسهم، تعتبر إعادة الشراء أداة لإدارة هيكل رأس المال، فهي تساعد الشركات على خفض عدد الأسهم المتداولة عندما ترى أن هذا الخيار أفضل من توزيع الأرباح النقدية.
وفي بعض الحالات، تلجأ الشركات إليها لتقليل تأثير توزيعات الأسهم السابقة أو برامج خيارات الأسهم الممنوحة للإدارة والموظفين.
ومن الناحية التاريخية، ارتبطت موجات إعادة شراء الأسهم بفترات وفرة السيولة في الأسواق. على سبيل المثال، شهدت الشركات الأميركية بين عامي 2018 و2022 مستويات قياسية من عمليات إعادة الشراء.
وتجاوز إجمالي ما أنفقته شركات مؤشر إس آند بي 500 أكثر من 3 تريليونات دولار خلال تلك الفترة، وفقًا لبيانات "".
اتجاهات وبيانات من الواقع
تشير البيانات الحديثة إلى أن عمليات إعادة شراء الأسهم شهدت تضخمًا كبيرًا في الولايات المتحدة خلال العقود الأخيرة.
فقبل عام 2000، لم تكن هذه العمليات تمثل سوى نحو 4–5% من الدخل التشغيلي للشركات، لكنها ارتفعت مؤخرًا لتتجاوز 20% وفق بعض الدراسات.
وفي السياق العالمي، لم تكن مايكروسوفت وحدها في اللجوء إلى إعادة شراء الأسهم، بل هناك شركات كبرى في الولايات المتحدة وأوروبا اتخذت المسار نفسه.
ففي فبراير 2025 أعلنت شركة جنرال موتورز الأميركية عن برنامج لإعادة شراء أسهم بقيمة 6 مليارات دولار أمريكي، تزامن مع رفع توزيعات الأرباح بنسبة 25%، في خطوة اعتُبرت إشارة على ثقة الشركة في تدفقاتها النقدية وقدرتها على تحقيق عوائد مستقرة للمساهمين.
كما أعلنت شركة تي-موبايل في ديسمبر 2024 أنها ستعيد شراء ما يصل إلى 14 مليار دولار من أسهمها بحلول نهاية 2025، وهو ما اعتُبر إشارة إلى رغبتها في استثمار أرباحها القوية من قطاع الاتصالات في تعزيز عوائد المساهمين.
وفي أوروبا، أكملت بورصة يورونكس برنامجًا لإعادة شراء أسهم بقيمة 300 مليون يورو (353 مليون دولار أمريكي) بين نوفمبر 2024 ومارس 2025، ما عزز من ثقة المستثمرين في قوة مركزها المالي.
كما أعلنت شركة فريزينيوس ميديكال كير الألمانية عن برنامج لإعادة شراء أسهم بقيمة مليار يورو خلال 2025، في إطار موازنة بين إعادة العائد للمستثمرين والاستمرار في خطط التوسع.
أما في قطاع السيارات الأوروبي، فقد واصلت مرسيدس-بنز تنفيذ برامج إعادة الشراء على نطاق واسع، حيث أعادت شراء أسهم بقيمة تجاوزت 6.8 مليار يورو (8 مليارات دولار أمريكي) وألغت جزءًا كبيرًا منها، في خطوة تهدف إلى خفض عدد الأسهم المتداولة.
بهذا، يتضح أن إعادة شراء الأسهم ليست مجرد حالة فردية بل اتجاه عالمي متنامٍ، تلجأ إليه شركات مختلفة عبر القطاعات لتعزيز ثقة المستثمرين وتوزيع الفوائض النقدية بطرق أكثر مرونة.
حجج تدعم إعادة الشراء لحماية المستثمرين
ينظر العديد من المحللين إلى إعادة شراء الأسهم باعتبارها وسيلة فعّالة لاستغلال الفوائض النقدية لدى الشركات، خاصةً عندما لا تتوفر فرص استثمارية مربحة في البحث والتطوير أو التوسع.
إلى جانب ذلك، يمكن أن يُنظر إلى إعلان الشركة عن برنامج لإعادة شراء أسهمها كإشارة إلى أن الإدارة ترى أن السهم مقوَّم بأقل من قيمته الحقيقية، الأمر الذي يعزز ثقة المستثمرين في مستقبل الشركة.
وأظهرت بعض الدراسات أن الشركات التي تقدم على هذه الخطوة تحقق في الغالب عوائد غير اعتيادية على المدى القصير، نتيجة لتحسن ثقة الأسواق وارتفاع الطلب على السهم.
ولا تقتصر الفوائد على هذا الجانب، إذ تُسهم عمليات إعادة الشراء في دعم أسعار الأسهم وتقليل التقلبات، خصوصًا في فترات الأزمات أو حالات عدم اليقين الاقتصادي.
فوجود الشركة كمشترٍ نشط لأسهمها في السوق يضفي نوعًا من الاستقرار، كما أن زيادة السيولة الناتجة عن عمليات الشراء تسهل التداول وتقلل من تكاليف المعاملات على المستثمرين.
وعلى المدى الطويل، تشير بعض الأدلة إلى أن الشركات التي تتمتع بهياكل حوكمة قوية، ومستويات منخفضة من الديون، وتقدير واقعي لقيمة أسهمها، تستطيع عبر برامج إعادة الشراء أن تخلق قيمة حقيقية ومستدامة للمساهمين.
في هذه الحالات، تصبح إعادة الشراء أداة استراتيجية توازن بين حماية مصالح المستثمرين وتعزيز النمو المستقبلي.
تكافئ الإدارة.. وأحيانًا على حساب المستثمرين
على الرغم من أن إعادة شراء الأسهم قد تبدو في ظاهرها وسيلة لحماية المستثمرين، إلا أن هناك من يرى أنها تخدم الإدارة في المقام الأول، خصوصًا عندما تكون حوافز المديرين التنفيذيين مرتبطة بمؤشرات مالية قصيرة الأجل مثل ربحية السهم أو سعر السهم في السوق.
فبمجرد تقليل عدد الأسهم المتداولة من خلال إعادة الشراء، يمكن للإدارة رفع ربحية السهم حتى من دون تحقيق نمو فعلي في الأرباح، وهو ما يشجع أحيانًا على قرارات تركز على المكاسب السريعة بدلاً من بناء قيمة طويلة الأمد.
وتطرح هذه الممارسات أيضًا إشكالية تتعلق بتكاليف الفرص، فالأموال التي تُوجَّه إلى إعادة شراء الأسهم كان يمكن استثمارها في البحث والتطوير، أو التوسع في أسواق جديدة، أو خلق وظائف جديدة، أو غيرها من الأنشطة التي تدعم النمو المستدام للشركة.
وقد بينت بعض الدراسات أن الإفراط في إعادة الشراء يرتبط بانخفاض في مستويات الاستثمار والإبداع على المدى البعيد.
كما يرى منتقدو هذه الممارسة أنها تعزز من عدم المساواة بين أصحاب المصلحة، إذ غالبًا ما يستفيد منها المساهمون الكبار والأثرياء الذين يملكون حصصًا ضخمة في الشركة.
في نهاية المطاف، تبقى إعادة شراء الأسهم سلاحًا ذا حدين. فمن جهة، يمكن أن تعزز مصالح المستثمرين عبر الاستخدام الفعّال للفائض النقدي، أو عبر توجيه إشارة للسوق بأن السهم أقل من قيمته الحقيقية، بل وقد تساهم في استقرار الأسعار وتقليل التقلبات.
من هنا، يتضح أن إعادة شراء الأسهم ليست ممارسة جيدة أو سيئة بحد ذاتها، بل أداة مالية يعتمد أثرها على السياق الذي تُستخدم فيه.
فإذا نُفذت بشفافية، وتحت رقابة قوية، ومع توافق بين مصالح الإدارة والمستثمرين، يمكن أن تكون وسيلة فعالة لتعزيز القيمة وحماية المساهمين.
أما إذا استُغلت لأغراض آنية أو لتحقيق مكاسب شخصية، فإنها تتحول إلى عبء يضر بالسوق وبثقة المستثمرين على المدى الطويل.
المصادر: أرقام- رويترز- معهد المحللين الماليين المعتمدين- منتدى كلية هارفارد للقانون حول حوكمة الشركات- المكتب الوطني للبحوث الاقتصادية- جامعة فاندربيلت- معهد الحوكمة الأوروبي
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة ارقام ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من ارقام ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.