منذ انطلاقها، جسّدت عمليات "الفارس الشهم" البعد الإنساني لدولة الإمارات في مواجهة الأزمات بمختلف دول العالم، فكانت البداية عام 2021 في أفغانستان، عقب التطورات السياسية والأمنية هناك، وقد تركز الهدف على إجلاء وإيواء العالقين، وهو ما أبرز سرعة الاستجابة والقدرة على توفير الحماية للمدنيين في ظرف شديد التعقيد.
وفي فبراير 2023، أطلقت الإمارات العملية الثانية استجابة للزلزال المدمر الذي ضرب جنوب تركيا وشمال سوريا، والتي شملت إرسال فرق إنقاذ وإغاثة عاجلة لدعم الضحايا والمساهمة في معالجة آثار الكارثة، ما أكد التزام الإمارات بالتحرك السريع لتقديم المساعدة الإنسانية في الكوارث الطبيعية.
أما "الفارس الشهم 3"، فقد ارتبطت بحرب غزة المستمرة منذ أكتوبر 2023، حيث شملت العملية الإغاثية عدة أشكال منها: توزيع طرود غذائية ومساعدات غذائية وطبية وخيام، إذ أنشأت ست محطات ضخ وتحلية مياه بقدرة مليون ومئتي ألف جالون يومياً في منطقتي رفح وخانيونس، يستفيد منها أكثر من 600 ألف شخص، إضافة الى إنشاء نقاط طبية ميدانية لصالح النازحين في نفس المنطقة؟.
إن هذه العمليات الإغاثية تعتبر ضرورة ملحة لقطاع غزة الذي يتعرض لإبادة جماعية ممنهجة على يد الاحتلال الذي يسعى لتحويل القطاع غزة بقعة جغرافية غير صالحة للعيش، وبالتالي تساهم هذه العمليات في صمود مواطنين ومحاولة للتخفيف من وطأة حرب الإبادة. ف "عملية الفارس الشهم 3" تعتبر إحدى العمليات الإغاثية في قطاع غزة وتتركز خدماتها بمناطق رفح وخانيونس.
ورغم ما حظيت به العمليات من إشادة واسعة، لم تخلُ من انتقادات تتعلق بآليات التنفيذ وصعوبات توزيع المساعدات في بيئة معقدة ومحاصرة. ومع ذلك، بقيت عمليات "الفارس الشهم" علامة فارقة في سجل العمل الإنساني الإماراتي، إذ جمعت بين سرعة الاستجابة وجرأة التحرك، وخلّفت أثراً إنسانياً لا يُمحى في مناطق منكوبة.
شهادات صادمة
أمام أحد مراكز التوزيع في غزة، يقف (ع. ص) بعينين مترقبتين لحظة وصول شاحنات المساعدات الإنسانية، محمّلاً بأمل أن يظفر هذه المرة بحصته من عملية الفارس الشهم 3، المبادرة الإماراتية الضخمة التي يشرف عليها الهلال الأحمر الإماراتي لدعم سكان القطاع المحاصر.
فبينما يستفيد آلاف الغزيين من هذه المساعدات، تتعالى أصوات تشتكي من ثغرات في التوزيع، إذ أن بعض الأسر لم يصلها شيء كـ(ع. ص)، الذي يتنقل من رابط تسجيل إلى وعود مؤجلة دون حصوله على شئ يُطعم به أطفاله، ويقول الرجل بحرقة: "لا أعلم كيف تتم آلية الاختيار، ولماذا تتكرر الأسماء نفسها، بينما مئات الأسر تنتظر عبثاً؟ المطلوب مراجعة دور المندوبين ووضع نقاط واضحة للتواصل المباشر مع الناس".
ويضيف: "نقدّر ما يقوم به القائمون على الفارس الشهم، لكن نرجو أن يكون هنا عدالة في التوزيع، أتمنى أن يكون لي اسم خلال الفترة القادمة لأني لا أملك المال لسد احتياجات أسرتي كما أني لا أعمل في أي مهنة".
أما في المناطق الغربية من القطاع، حيث دفعت إسرائيل عشرات الآلاف إلى "مناطق آمنة" تفتقر لأبسط مقومات الصحة والتعليم والبيئة، ينشط فريق الفارس الشهم بكثافة، إلا أن هذه الجهود لم تُعفَ من الانتقادات.
فالمواطن (ه. ن) مثلاً، يروي كيف تسلّم طرداً ناقصاً بعدما وصله إشعار عبر هاتفه بالتوجه لمكان توزيع المساعدات، إذ يقول: "تفاجأت أن بعض المواد الأساسية في الكرتونة مفقودة، كالسكر والزيت، والأدهى أنها موجودة في الأسواق بأسعار مضاعفة".
وتساءل: "من المسؤول عن تفريغ الطرود قبل تسليمها؟ نحن الأحق بها، ويجب محاسبة من يتلاعب بها"، مبينا أن الجهود الجبارة التي تبذلها عملية "الفارس الشهم"، يجب أن تكون مكتملة الأركان من ناحية إغاثة المواطنين، إذ لا يصح أن يكتشف الشخص بعد رجوعه لخيمته، أن الطرد الذي حصل عليه منقوص من الحاجيات الأساسية التي لا غنى عنها، بحسب تعبيره.
من جانبه، كشف مواطن ثالث عن خلل آخر يتعلق بالبيانات وقوائم المستفيدين، وذلك بعدما تلقى رسالة نصية باسمه الرباعي ورقم هويته تفيد بوجود طرد غذائي باسمه في أحد مخيمات النزوح جنوب القطاع.
ولكنه يؤكد أنه لم يسجل في أي من تلك المخيمات ولا يعرف حتى المندوب الذي استلم عنه، ويقول: "كيف تم وضع اسمي في هذا المخيم دون علمي؟ ولماذا لا يتم التأكد من البيانات قبل تسليم الطرود للمندوبين؟"، معتبراً أن التواصل المباشر بين إدارة العملية والمستفيدين ضرورية لمنع ضياع الحقوق أو استغلالها من قبل أطراف أخرى.
شهادات المواطنين الثلاثة تكشف جانباً من التحديات التي تواجهها عملية "الفارس الشهم 3". فمن جهة، لا ينكر السكان ضخامة حجم المساعدات وتكرار دخول الشاحنات بشكل منتظم ومنظم، ومن جهة أخرى، تبرز الحاجة الملحّة لآليات أكثر عدلاً وشفافية في التوزيع، إضافة إلى رقابة صارمة على المندوبين لضمان وصول المساعدات إلى مستحقيها الحقيقيين.
وعلى غرار المواطنين، يرى مراقبون محليون أن ما يطرح من ملاحظات وانتقادات لا يقلل من قيمة "الفارس الشهم"، بل يشكل دافعاً لتطوير أدائها وضبط ثغراتها، فالمبادرة تبقى من أكبر الجهود الإنسانية التي يشهدها القطاع منذ بدء العدوان، غير أن نجاحها الكامل مرهون بقدرتها على ضمان النزاهة في إيصال المساعدات، والتجاوب مع شكاوى المواطنين بشكل فعلي.
مسارات دعم متعددة
من جانبه، أكد علاء عبد ربه، منسق العمليات الدورية لعملية "الفارس الشهم 3"، أن العملية التي انطلقت في الخامس من نوفمبر 2023 ، تواصل عملها في مسارات متعددة لدعم سكان قطاع غزة على الصعيدين الإنساني والخدماتي.
وأوضح عبد ربه أن المستشفى الميداني في رفح شكّل أحد أبرز أركان العملية منذ بدايتها، حيث بدأ بسعة 60 سريرًا، وتوسع تدريجيًا إلى 150 ثم 260 سريرًا لمواكبة التطورات الميدانية، مشيرا إلى أنه قدّم خدماته لنحو 60 ألف مريض وجريح حتى مايو 2025، بينهم من خضعوا لعمليات كبرى أجريت على أيدي طواقم طبية إماراتية متخصصة.
وفي مجال المياه، لفت إلى أن "الفارس الشهم 3" أنشأت ست محطات لتحلية المياه الصالحة للشرب، ومدّت خطًا ناقلًا بطول 7.5 كيلومتر لتغطية مناطق رفح وخانيونس، إلى جانب خزان البراق الذي يغذي الشبكة المحلية، كما وفّرت صهاريج مياه للمخيمات، وحفرت آبارًا جديدة، وساهمت في إصلاح الشبكات المتضررة بالتعاون مع مصلحة مياه الساحل والهيئات المحلية.
وأشار إلى أن الجهود الإغاثية شملت إدخال خيام إيواء وطرودًا غذائية وصحية ومستلزمات للأطفال والنساء وكسوة شتوية، مع الاعتماد على نظام تسجيل إلكتروني لضمان النزاهة والشفافية في الوصول إلى المستفيدين.
كما دعمت العملية تكيات الطعام والمخابز الآلية والبدائية في جنوب القطاع، عبر توفير الاحتياجات الأساسية سواء من خلال المعابر أو السوق المحلي في حال تعقيد إجراءات الإدخال.
وفي القطاع الصحي، بيّن عبد ربه أن العملية أرسلت قوافل طبية متنوعة بالتعاون مع مستشفيات غزة، شملت أدوية ومستلزمات وخيمًا للطوارئ، إضافة إلى إدخال سيارات إسعاف مجهزة بالتعاون مع وزارة الصحة والهلال الأحمر والدفاع المدني. كما نُفذت برامج دعم نفسي للمرأة والطفل، وتم إجلاء أكثر من 2600 مريض وجريح مع عائلاتهم إلى الإمارات للعلاج.
وأوضح أن "الفارس الشهم 3" اعتمدت على لجان تطوعية متخصصة، من بينها لجنة العمل الإغاثي ولجنة المبادرات التي تستهدف المرأة والطفل وذوي الهمم والأيتام، إضافة إلى مئات المتطوعين من الجنسين، مشيرا إلى أنه يجري التنسيق مع النقابات والهيئات المحلية والبلديات والمستشفيات ومؤسسات المجتمع المدني لتوزيع المساعدات وتوثيقها، سواء عبر لجان مشتركة أو مبادرات فردية.
واختتم عبد ربه بالتأكيد على أن "الفارس الشهم 3" تترجم التزام الإمارات المتواصل بالوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني في أحلك الظروف، انطلاقًا من رسالتها الإنسانية الراسخة ودورها في دعم الاستقرار المجتمعي في غزة.
إيجابيات وملاحظات
بدوره، ذكر المحامي الحقوقي طارق الزر، أن الحروب تترك منعطفات حادة وآثارًا عميقة في حياة الشعوب، وما يعيشه الفلسطينيون منذ أكثر من 700 يوم من عدوان متواصل هو تجسيد قاسٍ لهذه الحقيقة.
وأشار الزر إلى أن مبادرات إغاثية محلية ودولية برزت خلال الحرب للتخفيف من المعاناة، أبرزها عملية "الفارس الشهم 3" التي يشرف عليها الهلال الأحمر الإماراتي، واصفًا إياها بأنها مبادرة إنسانية ضخمة كان لها أثر ملموس في دعم الشعب الفلسطيني.
وشدد على ضرورة تناول هذا الدور بموضوعية من خلال إبراز الإيجابيات وتحديد الملاحظات، بما يسهم في تطوير الأداء وتعزيز الرسالة الإنسانية، قائلا: "حجم الأضرار والمعاناة يفوق قدرة أي مبادرة على معالجته كليًا، لكنها تستطيع أن تخفف الكثير وتغطي بعض الجراح".
وأوضح أن العملية واجهت منذ بدايتها تحديات مرتبطة بعدالة التوزيع، إذ استفادت بعض الفئات أكثر من غيرها، فيما لم تصل المساعدات إلى آخرين، خاصة في ظل انقطاع الاتصالات والإنترنت بفعل الاحتلال، ما أعاق المتابعة والرقابة، لكنه استدرك بأن آليات التوزيع عُدلت لاحقًا باعتماد قاعدة بيانات دقيقة تشمل جميع الأسر في القطاع، بما فيها الأرامل والمطلقات، وهو ما ساعد على تقليل الأخطاء.
ولفت إلى أن تسرب بعض المساعدات إلى الأسواق أثار استياءً شعبيًا، سواء نتيجة مخالفات في التوزيع أو بسبب بيع بعض المستفيدين لمعوناتهم للتجار، وهو ما يستدعي رقابة صارمة ومحاسبة، مشيدا بتشكيل لجنة مستقلة مكونة من 3 أشخاص لمتابعة التوزيع وتلقي شكاوى المواطنين ومساءلة المتجاوزين باعتبارها خطوة إيجابية نحو تعزيز الشفافية.
وشدد على أن حجم الكارثة يفرض استمرار المراجعة والتطوير في كل جهد إغاثي، مؤكدًا أن العدالة والشفافية والرقابة الفعالة هي الضمان الأساسي لتحقيق الرسالة الإنسانية لهذه المبادرات.
توزيع الأدوار والشفافية
بدوره، أكد وائل بعلوشة مدير مؤسسة "أمان"، على ضرورة التنسيق بين الفارس الشهم ومؤسسات المجتمع المدني بما يضمن التكامل في تقديم المهمة الإنسانية، وتوزيع الأدوار بشكل يمنع الازدواجية في الحصول على المساعدات، إضافة إلى توحيد قوائم المستفيدين بين جميع الأطراف الفاعلة في مجال العمل الإنساني.
وشدد بعلوشة على أهمية استجابة الجهات الفاعلة لمتطلبات منع الفساد في توزيع المساعدات، والالتزام بالممارسات الفضلى التي تكفل وصول الدعم لمستحقيه، بما يضمن العدالة ويحفظ الكرامة الإنسانية، ويعزز من صمود المواطنين في مواجهة سياسات التفكيك.
كما دعا إلى تعزيز الشفافية في جميع الإجراءات المرتبطة ببرامج المساعدات التي تقدمها الفارس الشهم التي تعد من أهم العمليات الإنسانية، بدءًا من آليات الاستلام والتخزين والتوزيع، وصولًا إلى المعايير المعتمدة، وبما يحقق العدالة في تقديم الخدمات، مؤكدا على أهمية تصميم برامج توعوية توضح مظاهر الفساد ومخاطره وآثاره وكيفية الوقاية منه ومكافحته.
وأوضح أنه من الضروري تخصيص برامج لتلقي البلاغات والشكاوى من المواطنين حول شبهات الفساد، مع وضع آليات سريعة لمعالجتها، وتطوير أدوات رقابة قانونية على المشاريع الإغاثية والمساعدات التي تشرف عليها الفارس الشهم، سواء عبر الوسائط الرقمية أو أي وسيلة أخرى مناسبة تراعي الخصوصية وتحمي المبلغين.
ولفت مدير مؤسسة أمان، إلى أهمية تثقيف ممثلي الفارس الشهم ومديري اللجان في قضايا النزاهة والشفافية، مؤكدًا أن تعزيز وعيهم يسهم في تطوير العمل وضمان وصول المساعدات لمستحقيها بشكل عادل وشفاف.
وهكذا، تقف عملية الفارس الشهم بين صورتين متناقضتين: الأولى لقوافل ضخمة تدخل محمّلة بالمؤن والمساعدات الإنسانية، والثانية لمواطنين يشتكون من غياب العدالة أو تسرب بعض المساعدات إلى الأسواق، ليبقى السؤال مفتوحاً: هل تنجح الحملة في تحقيق هدفها الإنساني الأسمى، أم يظل الطريق مليئاً بالعقبات والانتقادات؟.
المصدر : غزة-مصطفى صيام
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة وكالة سوا الاخبارية ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من وكالة سوا الاخبارية ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.