د. لويس حبيقة*
سعر أي سلعة يجب أن يعكس الحاجة لها وما تمثله من قيمة اقتصادية حقيقية. ارتفع مؤخراً سعر أونصة الذهب إلى حدود لم تحصل سابقاً، فهل هذا يشير إلى زيادة الحاجة له دولياً؟ في المبدأ ما يحرك سعر الأونصة هو الطلب إذ إن العرض محدود. لماذا يرتفع الطلب؟ فعلاً الأوضاع السياسية والأمنية هي المسبب الرئيسي. أهم حدثين سياسيين هما حرب غزة بكل ما تحمل من معان سياسية وأمنية وإنسانية وإجرامية وحرب أوكرانيا بكل ما تحمل من عوامل جيوسياسية خطرة على الصعيدين الأوروبي والدولي. نضيف إليها تقلبات السياسات الأمريكية المختلفة التي توتر الأوضاع الاستثمارية دولياً. العالم قلق وقطاع الأعمال الدولي حائر وفرص الاستثمارات المناسبة غير واضحة. النتيجة هي ارتفاع سعر الذهب.
يمر كل اقتصاد بمراحل عادية متتالية من الازدهار والتباطؤ أو ما يعرف بالدورة الاقتصادية. يمكن لكل مرحلة أن تقصر أو تطول تبعاَ للأوضاع الداخلية والخارجية للاقتصاد المعني. فالقلق الذي يحدثه انتقال الاقتصاد من مراحل إلى أخرى يدفع بالعملاء الاقتصاديين إلى اللجوء إلى ما يمكن أن يحميهم من مساوئ الأزمات الاقتصادية. شغل الذهب منذ قرون هذا الموقع أي الملجأ الذي يتوجه إليه كافة فرقاء الإنتاج. أدخل الناس المعدن الأصفر بأشكاله المختلفة إلى منازلهم كنوع من الادخار لمواجهة الأيام السوداء. اشترت الدول الذهب وجعلت منه احتياطاً نقدياً رئيسياً يدعم سعر صرف العملات الوطنية.
فالنظام النقدي الذي كان سائداً في القرن التاسع عشر وفي بداية القرن العشرين ربط سعر صرف العملات بكمية ثابتة من الذهب، وبالتالي أعطى دوراً نقدياً كبيراً للمعدن الأصفر. أما النظام النقدي الذي وجده «مؤتمر بريتون وودز» بعد الحرب العالمية الثانية، فربط الدولار الأمريكي بالذهب بسعر صرف ثابت وجعل العملات الدولية تتقلب نسبة للعملة الأمريكية مما ساهم في تحقيق استقرار الأسعار لسنوات طويلة وشجع الجميع على اقتناء الذهب. لم تسقط «بريتون وودز» إلا بسبب ضعف الدولار في ذلك الوقت وتراكض الجميع لإبداله بالذهب عبر مكاتب المصرف المركزي الأمريكي. لم يستطع الذهب تاريخياً المحافظة على قيمته الاسمية، فكيف يحافظ على سعره الحقيقي خاصة وأنه لا يعطي دخلاً لأصحابه. فالدراسة حول الذهب التي نشرها المصرف المركزي الأمريكي طرحت مجدداً جدوى الاستثمار فيه وشجعت المصارف المركزية على بيع قسم من احتياطها الذهبي.
ما العمل؟ الدول الصناعية التي تنعم بمؤسسات قوية وإدارات فاعلة يمكنها الإشراف على عملية تسييل الذهب والاستفادة منه. أما الدول النامية، فمعظمها لا ينعم بإدارات سليمة وفاعلة وشفافة، لذا عليها أن تكون حذرة قبل تسييل ذهبها مما يعرضه للإنفاق والهدر. بقاء الذهب ذهباً في الدول النامية، مهما تغيرت أسعار أونصته، يبقى السياسة المحافظة الفضلى نسبة لأوضاعها الاقتصادية والإدارية. أما في الاستثمار الفردي، من الأفضل تنويع الأصول بين النقد والمعادن والأدوات المالية والعقارات وغيرها حماية للنفس وليس بالضرورة لتحقيق أرباح كبيرة يمكن أن لا تحصل.
* كاتب لبناني
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة صحيفة الخليج ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من صحيفة الخليج ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.