تو شين تشوان*
يشكّل تطبيق الخطة الخمسية الرابعة عشرة (بين عامي 2021 و2025) محطة مفصلية في مسيرة الصين نحو تحقيق «الهدف المئوي الثاني»، المتمثل في بناء دولة اشتراكية حديثة بعدما أنجزت بنجاح «الهدف المئوي الأول» ببناء مجتمع مزدهرٍ باعتدال. فعلى مدى السنوات القليلة الماضية، دخل العالم مرحلة من التحولات المتسارعة غير المسبوقة منذ قرن، وسط اضطرابات اقتصادية وجيوسياسية عميقة. وبوصفها جزءاً لا يتجزأ من الاقتصاد العالمي، واجهت الصين تحديات جسيمة وصدمات كبرى، لكنها نجحت في تحويلها إلى فرص، لتواصل فتح أبوابها على مصراعيها وتعمّق تعاونها الدولي.
وأولت الصين اهتماماً خاصاً لما تسميه الانفتاح المؤسسي على العالم، فقد تحولت المناطق التجريبية للتجارة الحرة في البلاد إلى منصات حيوية للإصلاح والابتكار. وخلال فترة الخطة الخمسية الرابعة عشرة، ارتفع عدد هذه المناطق إلى 22 منطقة، أسفرت عن نحو 200 ابتكار مؤسسي شكلت نموذجاً قابلاً للتطبيق على المستوى الوطني.
وبحلول عام 2024، مثّلت هذه المناطق 19.6% من إجمالي التجارة الخارجية للصين، و24.3% من تدفقات الاستثمارات الأجنبية المباشرة، فيما يُتوقع أن يدخل ميناء هاينان للتجارة الحرة مرحلة إغلاق جمركي كامل بنهاية عام 2025، ليبدأ فصلاً جديداً من الانفتاح المؤسسي العميق.
في موازاة ذلك، واصلت الصين تحسين بيئة أعمالها لتصبح موجهة أكثر نحو السوق وقانونية وذات طابع دولي، إذ بلغ إجمالي الاستثمارات الأجنبية المباشرة خلال الفترة من 2021 حتى مايو 2025 نحو 4.7 تريليون يوان (نحو 657 مليار دولار)، متجاوزاً ما تحقق خلال الخطة الخمسية السابقة. كما دفعت الصين بقوة نحو إصلاح نظام الحوكمة التجارية العالمية من خلال القنوات متعددة الأطراف والإقليمية والثنائية، موقّعة أو محدّثة الكثير من اتفاقيات التجارة الحرة مع دول العالم، لتقف في مواجهة موجة الحمائية المتصاعدة وتبرز بصفتها قوة دافعة لتحرير التجارة العالمية.
ولم تتردد بكين في الدفاع عن مصالحها الاقتصادية والتجارية أمام تنامي الأحادية وسياسات «التنمر التجاري». فقد أطلقت قائمة الكيانات غير الموثوقة، وأجرت تحقيقات ضد التمييز، وعزّزت آليات الأمن الصناعي والرقابة على الصادرات، وأقامت منظومة شاملة لمراقبة الصادرات للتصدي لإساءة استخدام واشنطن لمفهوم «الأمن القومي».
من جهة أخرى، استخدمت الصين آلية تسوية المنازعات التابعة لمنظمة التجارة العالمية، وقدمت شكاوى ضد إجراءات الولايات المتحدة بموجب المادتين 301 و232، التي رأت فيها قيوداً تجارية غير قانونية. وكسبت عدداً من هذه القضايا، ما دعّم موقفها القانوني والأخلاقي وأكسبها دعماً دولياً واسعاً.
وحققت البلاد إنجازات ملموسة في انخراطها في الدورة الاقتصادية العالمية، حيث ارتفع إجمالي تجارة السلع لديها من 32.2 تريليون يوان عام 2020 إلى 43.8 تريليون يوان العام الماضي، بمعدل نمو سنوي 8%، محافظة على مكانتها «أكبر دولة تجارية في العالم».
وعلى الرغم من تصاعد النزعات المعادية للعولمة، تمسكت الصين بخيار الإصلاح عبر الانفتاح، إذ قفزت نسبة تجارتها مع دول مبادرة «الحزام والطريق» من 29.1% عام 2020 إلى 50.3% عام 2024، ما عزز تنوع شراكاتها التجارية وجعلها أكثر قدرة على مقاومة الرسوم الأمريكية والحمائية العالمية. لم يكن التوسع في الانفتاح الخارجي منفصلاً عن تحديث الصناعة والابتكار التقني، بل شكّلا معاً محركاً مزدوجاً للتنمية. فقد أحرزت الصين تقدماً بارزاً في مجال الابتكار الصناعي والتكنولوجي، لتزيد من قدرتها الإنتاجية وتحلّ العديد من الاختناقات التقنية.
وشهدت الصناعات التقليدية نهضةً جديدة، في حين تسارعت وتيرة نمو القطاعات الناشئة، ما جعل هيكل التصنيع أكثر كفاءة. وخلال الفترة من 2021 إلى 2024، نمت القيمة المضافة للقطاع الصناعي الصيني بنسبة 5.4% سنوياً، لتستحوذ البلاد على 30% من الإجمالي العالمي، وتحافظ على صدارتها للعام الخامس عشر على التوالي. كما أصبحت الصين رائدة في إنتاج أكثر من 200 منتج صناعي رئيسي على مستوى العالم.
تختتم الخطة الخمسية الرابعة عشرة مرحلة التقدم المُطرد في مسيرة التحديث الصينية، لتفتح الباب أمام خمس سنوات حاسمة أخرى تستهدف التحديث الاشتراكي الكامل. ومن موقعها الجديد على الساحة العالمية، تؤكد الصين التزامها الثابت بدعم العولمة والحوكمة الاقتصادية العالمية، وتوسيع روابطها التجارية والاستثمارية العابرة للقارات، والمساهمة بفاعلية في نمو الاقتصاد العالمي واستقراره عبر نموذجٍ تنموي قوامه الانفتاح والتعاون المتبادل.
*عميد معهد الصين لدراسات منظمة التجارة العالمية في جامعة الأعمال والاقتصاد الدولي «غلوبال تايمز»
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة صحيفة الخليج ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من صحيفة الخليج ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.