في عالمٍ يتأرجح بين الصعود الصيني والتوجّس الأمريكي، تبرز تساؤلات كبرى تتجاوز حدود الاقتصاد والسياسة إلى جوهر مستقبل النظام العالمي: هل يمكن للقوتين العظميين أن تتجنّبا مصير الحروب التي حسمت صراعات الماضي؟
هذا هو السؤال الذي يشعل فتيل النقاش في كتاب «محكومون بالحرب: هل تستطيع أمريكا والصين تفادي فخ ثيوسيديدس؟» للمفكر الأمريكي البارز غراهام أليسون.
يُعدّ غراهام أليسون واحداً من أبرز المفكرين في مجال العلاقات الدولية، وقدّم في كتابه طرحاً عميقاً حول سؤالٍ ظل يؤرّق صانعي القرار في واشنطن لعقود:
هل ستتفوّق الصين على الولايات المتحدة لتصبح القوة العظمى الأولى في العالم؟
وإذا حدث ذلك، هل ستقف أمريكا مكتوفة الأيدي تشاهد زعامة العالم تنتقل إلى بكين؟
يرى أليسون أن الإجابة على السؤالين هي «لا»، مستنداً إلى مفهوم تاريخي يُعرف باسم «فخ ثيوسيديدس»، وهو مصطلح استُمدّ من كتابات المؤرخ الإغريقي الشهير ثيوسيديدس الذي رأى أن الصدام المسلّح يصبح شبه حتميّ عندما تهدّد قوة صاعدة بإزاحة قوة مهيمنة.
وبحسب تحليل أليسون، فإن 12 من أصل 16 حالة مشابهة خلال الخمسمائة عام الماضية انتهت بحروب فعلية. أما الحالة السابعة عشرة المحتملة اليوم فهي علاقة الولايات المتحدة بالصين، التي يرى الكاتب أنها تجسّد التوتر ذاته الذي وصفه المؤرخ الإغريقي في القرن الخامس قبل الميلاد.
سحابة الحرب في الأفق
يحمل عنوان الكتاب وغلافه – الذي يُظهر سحابة دخانية قاتمة – إيحاءً بتصاعد أزمة دولية قد تفضي إلى مواجهة كبرى.
وفي داخل الكتاب، يعرض أليسون تحليلاً تاريخياً دقيقاً وموسعاً لكل حالة من الحالات الست عشرة الموثقة في «ملف فخ ثيوسيديدس» التابع لـ مركز بيلفر بجامعة هارفارد، موضحاً الأسباب التي قادت إلى الحرب في 12 منها، والعوامل التي ساعدت على تفاديها في أربع حالات فقط.
ويحث أليسون قادة البلدين – ولا سيما القادة الأمريكيين – على الاستفادة من الدبلوماسية الإبداعية التي ساعدت في الماضي على تجنّب الصدام بين قوى كبرى، مثل: البرتغال وإسبانيا في أواخر القرن الخامس عشر، وبريطانيا والولايات المتحدة في مطلع القرن العشرين، والولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي خلال الحرب الباردة، وبريطانيا وفرنسا وألمانيا في منتصف القرن العشرين وما بعده.
كما يدعو الكاتب الإدارة الأمريكية إلى إعادة تعريف مصالحها الحيوية وتحديد أولوياتها بوضوح، بدلاً من الانخراط في مشاريع جيوسياسية بعيدة لا تمسّ مصالحها الجوهرية.
ويرى أن على واشنطن أن تفهم الصين من الداخل قبل أن تفترض أن مصالحها تماثل المصالح الأمريكية، مشدداً على أن الولايات المتحدة يجب أن تُعطي القضايا الداخلية أولوية على حساب الانشغال الخارجي المفرط.
صعود الصين المذهل بالأرقام
يتوقف أليسون عند التطور الهائل الذي حققته الصين خلال العقود الأخيرة، مقدّماً مقارنات رقمية تُظهر التحوّل الكبير في موازين القوة الاقتصادية. ففي مقارنة بين عامي 1980 و2015، جاءت الأرقام كما يلي:
- الناتج المحلي الإجمالي للصين كان 7% من نظيره الأمريكي عام 1980، وارتفع إلى 61% عام 2015.
- الواردات الصينية كانت 8% من واردات الولايات المتحدة ثم بلغت 73% عام 2015.
- الصادرات كانت 8% ثم قفزت إلى 151% من المستوى الأمريكي.
- أما الاحتياطيات النقدية فقد ارتفعت من 16% عام 1980 إلى 3140% عام 2015.
هذه الأرقام، كما يوضح بانيرجي، كفيلة بجعل القارئ العادي يشعر بمدى التغيّر المذهل في مكانة الصين الاقتصادية، والتي تجعلها بحقّ القوة الصاعدة الأكثر تأثيراً في العصر الحديث.
رؤية نقدية: هل الحرب حتمية؟
رغم عمق البحث التاريخي الذي يقدّمه أليسون، فإن الفرضية المركزية في كتابه – أن الحرب بين القوة القائمة والقوة الصاعدة تكاد تكون حتمية – تستحق إعادة النظر.
ففي عالم اليوم، تتسم كلٌّ من الولايات المتحدة والصين بقدرٍ عالٍ من البراغماتية في قراراتهما العسكرية والسياسية، ومن غير المرجّح أن تُقدِم أيٌّ منهما على حرب مدمّرة ستكون عواقبها الاقتصادية والسياسية كارثية على الجانبين، بل وعلى الاقتصاد العالمي برمّته.
ويُذكّر بانيرجي بأن الردع النووي غيّر تماماً من معادلات القوة بين الدول.
حتى لو كانت الولايات المتحدة تمتلك تفوّقاً في عدد الرؤوس النووية أو في سرعة الإطلاق، فإن الصين تمتلك بدورها قدرة تدميرية هائلة قادرة على إلحاق أضرار جسيمة بالقوة الأقوى نفسها، وهو ما يجعل احتمال الحرب الشاملة بينهما منخفضاً للغاية.
التعددية القطبية
من بين الحالات الأربع التي تمكّنت فيها الدول من تفادي الحرب، يشير أليسون إلى أن اثنتين منها حدثتا في «العصر النووي»، أي بعد الحرب العالمية الثانية، عندما أدركت البشرية القوة المدمرة للأسلحة النووية.
أما الحالات الاثنتا عشرة الأخرى التي انتهت بحروب، فقد وقعت قبل ظهور هذا السلاح، وهو ما يجعل المقارنة غير دقيقة تماماً في ضوء الظروف الراهنة.
اليوم، يعيش العالم في نظام دولي متعدد الأقطاب، حيث لا تنفرد واشنطن وبكين وحدهما بالتأثير.
فإلى جانبهما تقف روسيا، التي تمتلك أكبر ترسانة من الصواريخ الباليستية العابرة للقارات، والاتحاد الأوروبي واليابان ودول النمور الآسيوية، كقوى اقتصادية ذات وزن سياسي مؤثر.
الهند وباكستان
كما تبرز الهند كقوة صاعدة اقتصادياً وعسكرياً، في حين تمتلك باكستان أيضاً سلاحاً نووياً، ويبلغ مجموع ما يمتلكه البلدان من رؤوس نووية نحو 250 رأساً حربياً.
من هنا، يرى بانيرجي أن أطروحة أليسون القائلة بأن واشنطن وبكين «محكومتان بالحرب» قد تكون مبالغاً فيها وغير واقعية تماماً في ظلّ تشابك المصالح العالمية وآليات الردع المتبادلة.
رغم هذه التحفّظات، يبقى كتاب «محكومون بالحرب» عملاً بحثياً رصيناً، يقدم تحليلاً تاريخياً ثرياً ونظرة نظرية مثيرة للاهتمام حول ديناميكيات القوة بين الدول.
أسلوب أليسون سلس وجاذب، ومبنيّ على كمٍّ واسع من الأمثلة التاريخية، غير أن «فخ ثيوسيديدس» ليس بالضرورة المنظور الوحيد الذي يمكن من خلاله قراءة مستقبل العلاقات الأمريكية – الصينية أو التنبؤ بمسار النظام الدولي.
بكلمةٍ واحدة، الكتاب دعوة للتأمل العميق في حدود القوة، وخيارات القيادة، ومسؤولية الدبلوماسية في عالمٍ لم يعد يحتمل حرباً بين الكبار.
المصدر: إنترناشونال جورنال أوف نيكولر سكيورتي
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة ارقام ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من ارقام ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.
