في ظل التحولات الرقمية المتسارعة التي يشهدها العالم، تبرز دولة الإمارات كنموذج متقدم في توظيف التكنولوجيا الحديثة، وعلى رأسها الذكاء الاصطناعي، في مختلف القطاعات، لا سيما القطاع الأمني، وقد تمكنت الإمارات من دمج الذكاء الاصطناعي في العمل الشرطي بصورة ممنهجة، ما أسهم في الارتقاء بالأداء الأمني وتقديم خدمات ذكية للجمهور، إلى جانب تعزيز كفاءة الاستجابة للجرائم والوقاية منها.
يشكل الذكاء الاصطناعي أداةً متقدمة في مجال العمل الشرطي، حيث يُستخدم لتحليل كميات ضخمة من البيانات التاريخية المتعلقة بالجرائم، مثل المواقع، الأوقات، وأنماط السلوك المرتبطة بها، تعتمد خوارزميات الذكاء الاصطناعي على هذه البيانات لاستخلاص أنماط متكررة والتنبؤ بالأماكن التي قد تشهد جرائم مستقبلية.
تطبق شرطة دبي تقنيات تحليل بيانات متطورة، تمكنها من تحديد المناطق الأكثر عرضة للجرائم، مما يتيح تعزيز التواجد الأمني وتوجيه الدوريات بشكل استباقي، والحد من وقوع الجرائم قبل حدوثها. ويعتمد هذا النظام على دمج بيانات البلاغات، السجلات الجنائية، وأنماط الحركة لتقديم صورة دقيقة تدعم اتخاذ القرار الأمني.
ويُعد هذا التوجّه جزءاً من استراتيجية أوسع لتوظيف الذكاء الاصطناعي في بناء منظومة أمنية ذكية، توازن بين تعزيز الأمن وحماية الخصوصية، مع الالتزام بأعلى معايير الأخلاق والقوانين، وتُظهر التجارب الدولية، مثل نظام PredPol في الولايات المتحدة، نجاحات ملموسة في خفض معدلات الجرائم عبر التنبؤ الذكي، ما يؤكد أهمية استثمار هذه التقنيات في الإمارات والعالم.
وفي التحقيق التالي سوف نتعرف إلى تقديرات المتخصصين من رجال الأمن، والأكاديميين منهم خاصة، بشأن هذا التوجه التكنولوجي للاستفادة من تقنية الذكاء الاصطناعي لخدمة قطاع الأمن ورجاله.
استراتيجية استباقية
بداية أوضح الدكتور اللواء صالح مراد، مساعد القائد العام لشؤون الإدارة في شرطة دبي أن الذكاء الاصطناعي أصبح ضرورة وليس ترفاً في مجال الأمن، مؤكداً أن الإمارات تتبنى نهجاً استباقياً شاملاً في مواجهة الجرائم الحديثة، انطلاقاً من إدراكها أن عالم الجريمة يشهد تطوراً نوعياً يتطلب أدوات تحليلية وتقنية متقدمة. وشدد على أن الوزارة لا تكتفي بمواكبة التكنولوجيا، بل تسعى لتكون في مقدمة من يطور ويُفعّل هذه التقنيات في بيئة شرطية وأمنية متكاملة، تواكب المتغيرات الدولية
وأكد أن الجاهزية الأمنية للتعامل مع التحديات الحديثة باتت ضرورة ملحّة في ظل التحولات الرقمية العالمية، التي قد تفتح ثغرات تستغلها الجماعات الإجرامية أو المتسللون السيبرانيون. وتتمثل أبرز التحديات التي أشار إليها في السلامة الرقمية، وحماية البيانات الحساسة، والتعامل مع الهجمات الإلكترونية، إلى جانب الاستخدام الأخلاقي والمسؤول للتكنولوجيا، وتفادي الوقوع في فخ الاستخدام المسيء للذكاء الاصطناعي.
تحوّل رقمي شامل
ويؤكد اللواء الدكتور عبد القدوس عبدالرزاق العبيدلي، رئيس مجلس إدارة جمعية الإمارات للملكية الفكرية، أن شرطة دبي تُعد من أبرز النماذج العالمية في توظيف الذكاء الاصطناعي ضمن منظومتها الأمنية، حيث تتبنّى تحولاً رقمياً شاملاً يستهدف تعزيز مؤشرات الأمن والثقة المجتمعية، ورفع جاهزيتها المستقبلية، ودعم مركزها الريادي على المستويين الأمني والتقني.
وخلال القمة الشرطية العالمية، أطلقت شرطة دبي استراتيجيتها الرقمية الممتدة حتى عام 2028، والتي تضم أكثر من 86 مشروعاً رقمياً ومبادرة مبتكرة، تتضمن بناء أنظمة شرطية متصلة وذاتية الاستجابة، قادرة على التكيف مع مختلف التحديات. ويبرز من بين هذه المشاريع «نظام التنبؤ الذكي بالجرائم»، الذي يُوظف تحليلات البيانات الضخمة لتوقّع أماكن وأوقات الجرائم المحتملة، ومركز «العمليات الرقمية الموحد»، الذي يدير التنسيق بين الجهات الشرطية ويعزز سرعة الاستجابة.
كما تشمل الاستراتيجية، تطوير مراكز الشرطة الذكية (SPS)، ومبادرات مثل «مشروع عيون»، و«برنامج عين الشرطة»، والتي تمكّن المجتمع من المساهمة في الأمن، وتعتمد على أنظمة تحليل سلوكي ذكية يمكنها التعرف على الأنماط المشبوهة.
أنظمة التنبؤ العالمية
اللواء خالد ناصر الرزوقي، مدير الإدارة العامة للذكاء الاصطناعي في شرطة دبي، أشار إلى أن أنظمة التنبؤ بالجرائم في دبي، تستند إلى تحليل كميات ضخمة من البيانات الجنائية، مثل توقيت الجريمة، موقعها، وأنماط السلوك، وذلك بهدف تحديد المناطق الأكثر عرضة للجريمة، وقال إن النظام يعمل بطريقة مشابهة للنماذج العالمية مثل PredPol المستخدم في أمريكا، وCompStat في نيويورك، وPRECOBS في ألمانيا وسويسرا
وأكد الرزوقي، أن هذه الأنظمة ساعدت في تقليل معدلات الجريمة بنسبة وصلت إلى 20% في بعض المناطق حول العالم، لكنها قد تواجه تحديات مثل التحيّز الخوارزمي أو انتهاك الخصوصية، لذلك تطبق شرطة دبي هذه الأنظمة ضمن معايير قانونية وأخلاقية صارمة، مع إشراف بشري دائم، وتحديث مستمر للبيانات.
سلاح أمني ذو حدين
العقيد الدكتور راشد حمدان الغافري، نائب مدير الإدارة العامة للأدلة الجنائية وعلم الجريمة، شدد على أن الذكاء الاصطناعي «سلاح ذو حدين»، فهو قادر على تقديم دعم غير مسبوق في التحقيقات وكشف الجرائم، لكنه قد يُستغل إذا لم تتم حمايته بإطار قانوني وأخلاقي صارم.
وأشار إلى أن القمة الشرطية العالمية، التي عقدت في دبي شهدت اتفاقاً بين خبراء الأمن العالميين على أن مستقبل العمل الشرطي سيكون مبنياً على تقنيات الذكاء الاصطناعي، والمراقبة الذكية، وتحليل السلوك، والتنبّؤ بالجرائم قبل وقوعها.
وأضاف أن شرطة دبي تعتمد حالياً على أنظمة تحليل جنائي رقمي، تستند إلى قواعد بيانات ضخمة، يتم من خلالها التعرّف على أنماط الجريمة، وربط الأدلة بمسرح الجريمة، وتحليل البصمات الرقمية، ضمن منظومة من العمل الشرطي الاستباقي، الذي يختصر الزمن ويعزز الدقة.
رسم مستقبل الشرطة
ويؤكد الملازم خليفة الفقاعي، مدير المكتب التنفيذي للقمة الشرطية العالمية، أن القمة أصبحت من أبرز المنصات الدولية التي تناقش مستقبل العمل الأمني، وأن شرطة دبي تستفيد من هذه الفعاليات في توسيع آفاق التعاون مع أجهزة الشرطة العالمية، وتبادل أفضل الممارسات والخبرات، وتطوير حلول أمنية ذكية تستجيب للتحديات الدولية، وقال إن شعار القمة «تصميم المستقبل القادم من العمل الشرطي» يعكس التوجّه نحو تعزيز دور الذكاء الاصطناعي والتقنيات المتقدمة في رسم سياسات الأمن المستقبلي.
الأمن الرقمي
وتحدثت الدكتورة شيخة خميس العبدلي، رئيس قسم المناهج والمقررات في أكاديمية شرطة دبي، عن دراستها لنيل درجة الدكتوراه، والتي ركزت على تحليل الجرائم وأنماطها باستخدام الذكاء الاصطناعي، وأوضحت أن الدراسة استندت إلى قاعدة بيانات فعلية لجرائم وقعت في دبي، وتم من خلالها تطبيق خوارزميات متقدمة لتحليل البيانات وتصنيفها حسب نوع الجريمة، والزمان والمكان، ونمط الجناة.
وخلصت الدراسة إلى أهمية تحليل كل نوع من الجرائم بشكل مستقل، ودعت إلى إدخال متغيرات إضافية مثل الحالة النفسية للجاني، ومدى استقراره العقلي، ونوع الإقامة، والخصائص السكانية للمجني عليهم. كما أوصت بتوسيع قاعدة البيانات وربطها بأنظمة الذكاء الاصطناعي لرفع دقة التنبؤات.
رؤية أكاديمية
من جهته، يرى أستاذ علم الاجتماع التطبيقي في جامعة الشارقة، الدكتور أحمد العموش، أن الذكاء الاصطناعي أحدث ثورة في علم الجريمة، من خلال القدرة على تصنيف المناطق بحسب مستوى الخطورة (عالية، متوسطة، منخفضة)، وتوجيه الجهود الأمنية إلى المناطق ذات الأولوية.
أما الخبير الأمني علي عادل، فأكد أن الذكاء الاصطناعي أصبح جزءاً من منظومة العدالة الجنائية الحديثة، حيث يتيح أتمتة العديد من المهام مثل إدارة القضايا، البحث القانوني، تحليل الجريمة، تقييم المخاطر، وإدارة المحاكم الافتراضية. ويرى أن هذه الأنظمة قادرة على تقديم عدالة أكثر كفاءة ودقة، خاصة في القضايا المعقدة مثل الجرائم السيبرانية أو القتل الرقمي.
الأمن الذكي
وأشار مركز مستقبل التنقل الرقمي، إلى أهمية بناء منظومة أمنية ذكية قادرة على الاستجابة لتحديات الغد من خلال الذكاء الاصطناعي، وتحليل البيانات، والحوكمة المرنة.
وأكد المركز أن الاستراتيجية التي تنتهجها شرطة دبي في هذا المجال تمثل خريطة طريق لمرحلة جديدة في الأمن الذكي، تقوم على تحليل المخاطر، والتخطيط الاستباقي، وبناء كفاءات وطنية مؤهلة لقيادة هذا التحول.
قانون العقوبات الاتحادي
ويقول المستشار القانوني محمد فتحي، يقصد بالشروع، السلوك الذي يُقدم عليه الجاني بقصد ارتكاب جريمة، دون أن تكتمل أركانها بسبب خارج عن إرادته. ففي حالات الشروع، يخطو الجاني خطوات فعلية وملموسة نحو ارتكاب الفعل الإجرامي، غير أن الجريمة لا تتحقق نتيجة لظرف قهري أو سبب لا علاقة لإرادته به.
أما إذا تراجع الجاني عن ارتكاب الجريمة بإرادته الحرة، مدفوعاً بدوافع ذاتية كالشعور بالندم، أو التوبة، أو الشفقة على المجني عليه، أو الخوف من العقوبة، فإن ذلك يُعد عدولاً اختيارياً تلقائياً، ولا يُعتبر شروعاً في الجريمة.
وقد نصت المادة ال (34) من قانون العقوبات الاتحادي رقم (3) لسنة 1987 وتعديلاته لعام 2015 على أن: «الشروع هو البدء في تنفيذ فعل بقصد ارتكاب جريمة، إذا أوقف أو خاب أثره لأسباب لا دخل لإرادة الجاني فيها.
وأكدت المادة ذاتها أن مجرد العزم على ارتكاب الجريمة، أو القيام بالأعمال التحضيرية لها، لا يعد شروعاً ما لم ينص القانون صراحة على خلاف ذلك.
مشروع العيون
من أبرز المبادرات، في إطار توظيف الذكاء الاصطناعي، يبرز مشروع «العيون»، الذي يستخدم تقنيات الذكاء الاصطناعي لتحليل الفيديوهات الملتقطة من كاميرات المراقبة المنتشرة في المدينة.
ويعمل المشروع على رصد السلوكيات المشبوهة والتعرف على الوجوه والمركبات المطلوب ضبطها، ما يمكن من التحرك السريع قبل وقوع الجريمة، ويعزز من مستوى الأمان في الأحياء والمرافق الحيوية.
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة صحيفة الخليج ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من صحيفة الخليج ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.