وقرب نصف الكرة الأرضية الجنوبي، نرى الصين، القادمة كدولة عظمى، تصر على إعادة ضم جزيرة «تايوان» إلى الصين الأم، لأسباب عديدة. بينما تمانع أمريكا بشدة استعادة الصين لتايوان، لأسباب استراتيجية بالغة الخطورة. بل وترى ضرورة أن تصبح تايوان دولة مستقلة. هذا الخلاف العميق القاتل، جعل من تايوان ثاني أخطر بؤرة صراع عالمي راهن، بعد أوكرانيا. وجعل منها «أخطر جزيرة في العالم الآن». وأطلق بعض المحللين عليها «أوكرانيا آسيا»؛ وذلك لأن حرباً عالمية شاملة قد تنشب، لا سمح الله، بسبب الصراع، الأمريكي- الصيني، على هذه الجزيرة.
****
كانت الصين، حتى بداية القرن العشرين، عبارة عن عدة ممالك إقطاعية متشرذمة، ومتنافرة، تسيطر عليها بعض القوى الاستعمارية الكبرى، وخاصة بريطانيا، واليابان. الأمر الذي أدى إلى قيام حروب أهلية صينية عدة، وكذلك نشوء حركات تحرير وطنية عديدة، أهمها: الحركة الوطنية لتحرير الصين، بزعامة «شان كاي شيك»، الذي حكم الصين في البداية، وميليشيا الحزب الشيوعي الصيني، الذي تأسس عام 1921م، بزعامة «ماو تسى تونج». وبعد انتصار المقاومة الوطنية الصينية، واندحار الاستعمار، نشبت حرب أهلية صينية كبرى، بين قوات هاتين الحركتين، انتصر فيها الشيوعيون، الذين سارعوا بتأسيس «جمهورية الصين الشعبية» (PRC) في أكتوبر 1949م. وأصبحت عاصمتها مدينة بيكين. وتم ذلك بدعم من الاتحاد السوفييتي، الذي كان يتزعم المعسكر الشيوعي/ الاشتراكي.
****
ونتيجة لهزيمته، هرب «شان كاي شيك» وجيشه إلى جزيرة «تايوان»، الصينية الواقعة شرق الصين -التي تبعد 800 كيلومتر عن البر الصيني- وأسس هناك «جمهورية الصين الوطنية»/ تايوان، بمساعدة مكثفة من أمريكا وبعض دول الغرب. واتخذ من مدينة «تايبيه» عاصمة لهذه الجمهورية. عجّلت أمريكا قيام هذه «الجمهورية»، وذلك في شهر ديسمبر 1949م. وعملت -وما زالت- على دعمها، وتأييدها في المحافل الدولية. تبلغ مساحة تايوان 36 ألف كيلو متر مربع، ويسكنها حوالي 25 مليون نسمة. وقد تأسست فيها حكومة ديمقراطية/ رئاسية. وشهدت نهضة صناعية وتقنية كبرى، جعلتها إحدى «نمور آسيا». وما زالت قائمة، نتيجة رغبة أمريكية قوية في انفصالها، كأداة ضغط على الصين، وكدعم لوجستي للاستراتيجية الأمريكية في شرق آسيا.
وكما هو معروف، كانت معظم دول العالم تعترف بـ«جمهورية الصين الوطنية»، وتعتبرها ممثلة لكل الصين والصينيين. وكانت تحتل مقعد الصين في هيئة الأمم المتحدة. ولكن، بعد زيارة الرئيس الأمريكي السابق ريتشارد نيكسون لبيكين، عام 1972م، تغير الحال، وأمسى هناك وضع دولي مختلف. إذ اعترفت أمريكا بـ«جمهورية الصين الشعبية»، كممثلة لكل الصين. وكان هذا يعني: سحب الاعتراف العالمي بـ«تايوان»، وتولي الصين الشعبية مقعد الصين في الأمم المتحدة. ومما نتج عن ذلك: وقوع جمهورية الصين في عزلة دولية خانقة؛ حيث تحولت أغلب الدول التي كانت تعترف بها، وتقيم معها علاقات دبلوماسية وغيرها، لجمهورية الصين الشعبية، التي تقطع علاقاتها فوراً مع أي دولة تعترف بتايوان.
****
تخلت الولايات المتحدة (شكلياً) عن جمهورية الصين الوطنية، وكذلك بقية الدول. ولكن أمريكا كانت -وما زالت- الداعم الأول والأساسي لهذه الجمهورية، منذ نشأتها حتى الآن. وفي ذات الوقت، مازالت تتزايد مطالب جمهورية الصين الشعبية باستعادة تايوان، التي تعتبر استعادتها إكمالاً للكرامة الوطنية الصينية بعامة. إضافة لما لهذه الجزيرة من أهمية اقتصادية، واستراتيجية، هائلة. وأصبح لهذه المطالب الصينية تأثير كبير متصاعد، لتصاعد قوة الصين، والقفزة النوعية الاقتصادية والتقنية التي حققتها في نصف القرن الماضي، والتي جعلتها تتبوأ مكانة الدولة العظمى الثانية، وتنافس على الجلوس في قمة العالم الاقتصادية- السياسية.
إن أهمية تايوان الجيوستراتيجية هي التي تجعل الصراع عليها أقوى وأخطر، بين العملاقين، الصيني والأمريكي. ويثر المسؤولون الصينيون دائماً، وفي كل لقاء مع نظرائهم الأمريكيين، وغيرهم، مسألة استعادة تايوان، ويعطون هذه المسألة الأولوية على كل القضايا ذات الاهتمام المشترك. وفي ذات الوقت، يشبِّه البعض تايوان بالنسبة لأمريكا حالياً، بقناة السويس بالنسبة لبريطانيا في الماضي. إذ يرون أن تخلي أمريكا عن تايوان سيجعل من أمريكا دولة كبرى، وليست عظمى، تماماً مثل ما أدى تخلي بريطانيا عن السويس لنزولها من مرتبة الدولة العظمى.
ومما يزيد الأمر تعقيداً، صعوبة، تدخل الكونجرس الأمريكي على خط الصراع على تايوان. إذ أصدر عام 1979م قانون العلاقة مع تايوان، الذي يلزم السلطة التنفيذية الأمريكية (أي رئيس أمريكي) بعدم التخلي عن تايوان، وحماية وضعها الحالي. وهذا يعني عدم السماح للصين باستعادتها. وفي ظل تصميم بكين على استعادة تايوان، تتضح خطورة هذا الصراع.
****
لتايوان، إذاً، أهمية كبرى، لكل من أمريكا والصين. فأهميتها، بالنسبة للصين، تتلخص في كونها تقع في مواجهة البر الصيني، ويمكن مهاجمة الصين بسهولة نسبية كبيرة، انطلاقاً منها. يقول الاستراتيجيون الصينيون بأنه لا يمكن الدفاع عن الصين بكفاءة، إلا عبر تايوان. وتشرف تايوان على مضيق تايوان الاستراتيجي، الذي يربط بين بحر الصين الشرقي، وبحر الصين الجنوبي، ومن ثم بين المحيطين الهندي والهادي. الأمر الذي يشكل أهمية بالغة للمواصلات البحرية في شرق آسيا. هذا إضافة إلى أهميتها الاقتصادية والتقنية الكبرى المعروفة. أما أهميتها لأمريكا فتنبع أصلاً من أهميتها للصين. ويتوقع كثير من المراقبين ضم الصين لتايوان، في المدى القريب. وهذا غالباً ما سيؤدي إلى نشوب حرب شعواء بين الصين، وأمريكا. ولا يتوقع أن تسمح أمريكا للصين بضم تايوان سلماً، وبموجب صفقة ممكنة.
أخبار ذات صلة
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة عكاظ ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من عكاظ ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.