عرب وعالم / السعودية / عكاظ

التسريبات الصوتية.. نصف الحقيقة فقط !

منذ حرب 1948، وهناك ثلاثة محاور رئيسية في العالم العربي؛ محور واقعي، ومحور مُخلص في مزايدته، يبدو أنه انتهى تماماً، ومحور نصف واقعي، ولكنه شعبوي يزايد في كل شيء، ومن أجل لا شيء، يهدف فقط لخدمة قضاياه الخاصة، مثل أزماته المعيشية، أزمة الحكم، أو صراعات داخلية.. إلخ، ولذلك يجدون أنه من الأجدى تصدير المشكلات للخارج.

ما يخص التسريبات الأخيرة، هناك رأيان إن جاز القول بهما، إما قام بها جهاز مخابرات لديه مخزن معلومات ويرى فائدة من إعادة تشكيل الرأي العام العربي وصولاً إلى نتائج محددة يحتاجها، وهناك رأي آخر يقول إن دولة ما تحصلت على أرشيف مخابرات القذافي وهي تسرب ما تراه مفيداً لها، لإرباك المشهد المرتبك أصلا وصولاً إلى حالة سيولة تستفيد منها لاحقاً.

صحيح إن الإجابة ستعطينا نصف الحقيقة، ولكن في أجواء لا يمكن الجزم بها، فلا أقل من فهم انعكاسها على المشهد الإقليمي، فمن سرب المحادثات والاجتماعات السرية واعٍ تماماً ماذا يريد منها، وإلى أين ستصل انعكاساتها.

فهل نحن أمام تغيير في التحالفات الإقليمية، أو التخفيف من أعباء سياسية بقيت طوال خمسة عقود تكبل دولاً وتمنع انطلاقها اجتماعياً واقتصادياً، أو ربما أدت إلى تعقيد المشهد الإقليمي والوصول إلى حالة اختناق، لم يعد معها إلا الانقلاب عليها، والبحث عن حلحلة.

منذ السابع من أكتوبر ونحن أمام انقلاب حقيقي في المشهد الإقليمي، والجميع ذاهب نحو أجواء سياسية وأمنية جديدة ربما تفرز عن رحلة لمدة خمسين عاماً قادمة أو أكثر؛ أهمها أن العالم لم يعد يستوعب فكرة الحروب بالنيابة، ولا المخادمة عن بعد، فالمحك الحقيقي اليوم هو الاقتصاد ولا شيء غير الاقتصاد، ولأجل ذلك أضحت واشنطن اليوم تدافع عن اقتصاد بلادها وكأنها معركة عسكرية لا تقل ضراوة عن حرب عالمية، إما تنتصر فيها أو تعود إلى ما وراء المحيط وهي لا تريد ذلك أبداً.

الواقعية السياسية التي قاومت الشعبوية طوال خمسة عقود يبدو أنها تنتصر أخيراً، فدول مثل الأردن والبحرين والمغرب، تحسب على الاقتصادات المتوسطة إلا أنها وبالرغم من ظروفها استطاعت تسخير واقعيتها السياسية لخدمة تنمية بلدانها، ولا أكثر وضوحاً من البنية التحتية الجيدة فيها ومظاهر التحضر الواضحة والتي تفوق دولاً أكبر منها اقتصاداً.

الدول الواقعية والغنية التي تصالحت مع نفسها وقرأت المشهد الدولي، واستطاعت التحرك والمساعدة ضمن مساحات واسعة لصالح قضايا أمتها، ومنها التي ساهمت في تحرير أفغانستان، وإنهاء مجازر البوسنة والهرسك، وفي القضية الفلسطينية تمكنت من تحقيق الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية، وساعدتها في تجاوز كل أزماتها، حتى تحقق لها أن تكون سلطة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة.

على سبيل المثال استطاعت بواقعية محترمة من الرئيس أنور السادات، والرئيس حسني مبارك من استرجاع أراضيهم (سيناء، وطابا) وهي واقعية لم تستفد من تجربتها بعض الدول الأخرى، ألا نتذكر كيف أن جيمس بيكر حاول المستحيل لإقناع طارق عزيز في مفاوضات اللحظات الأخيرة في جنيف قبيل بدء حرب عاصفة الصحراء 1991، بالانسحاب من ، لم يفهم طارق عزيز ومن خلفه صدام واقع القوة التي تستحيل معها مواجهة أمريكا والتحالف المكون من 30 دولة، إن عدم فهم الوزن السياسي والعسكري لصدام، أدى في نهاية الأمر لاستسلام في خيمة صفوان، وإسقاط النظام العراقي لاحقاً.

القذافي مارس نفس العقيدة القائمة على المواجهة الدائمة، وتسخين كل القضايا، ومحاربة الأعداء بالشتائم والدسائس والعيش في الأحلام الرومانسية، أفكار لم تستطع أن تخرج من وهم القدرة على إسقاط الأمريكان عبر أثير الميكروفونات.

الملك عبدالعزيز كان واحداً من السياسيين البارعين الذين فهموا واقع العالم الذي تشكل بعد الحرب العالمية الثانية، حرب استخدم فيها قنبلتان نوويتان واستسلم نصف العالم للجيش الأمريكي، لقد تعامل الملك المؤسس بحذر شديد وبواقعية مثالية انعكست على موقع وثقل بلاده لـ100 عام بعده.

لا يمكن فهم التسريبات التي حصلت بعيداً عن تشابك المشهد السياسي في الإقليم، الذي تحول إلى كومة من السياسيات المحطمة، وأصبح من الضروري إعادة تشكيله من مبدأ السياسات الواقعية، ليلائم عالماً آخر لعل أدق ما يوصف به هو عالم ما بعد الحروب الاقتصادية وتسريبات الغرف المغلقة.

أخبار ذات صلة

 

ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة عكاظ ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من عكاظ ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.

قد تقرأ أيضا