عرب وعالم / السعودية / عكاظ

الطب والإعلام.. وتنظيم المحتوى

من الظواهر العجيبة التي تستدعي التوقف عندها وتحليل أسبابها هي التشخيص الذاتي والهلع الصحي للمراجعين لدى الخدمات الصحية، بل وتصلّب المراجع ببعض الأحيان بتشخيصه وعدم الاقتناع بغير ذلك، وإذا لم يتوافق رأيه مع ما أقول بالعيادة ربما ذهب باحثاً عن طبيب آخر ليوافقه على تشخيصه الذاتي، مما اضطرني في الآونة الأخيرة لاختبار مهارات الإقناع لدي، وذلك عن طريق سؤالي للمراجع بنهاية الزيارة ما إذا كان قد اقتنع بالتشخيص الجديد (تشخيصي) أم لا، ولا داعي -عزيزي القارئ- أن أشاركك بعدد المرات التي أصبت فيها بخيبة أمل، بغض النظر عن مهاراتي التي لربما أنها متواضعة في الإقناع، إلا أن تلك المسألة تخلق سؤالاً في غاية الأهمية، ما هي العوامل التي ساهمت في الهلع الصحي بالمجتمع، والذي أدى إلى البحث عن المعلومات بمختلف الطرق، وربما عدم تحري مصادرها ودقتها.

أعتقد أن أسباب الهلع كثيرة، إلا أن أهمها يكمن في التالي: 1- الإيحاءات المرضية أو زراعة الوهم: فنلاحظ زيادة نسبة التوعية الغزيرة -ذات الطابع التسويقي- في وسائل التواصل الاجتماعي من قبل المختصين وغير المختصين، بل وربما قيام بعض الحسابات ذات المتابعات العالية بنشر نتائج دراسات -معظمها دراسات غير ناضجة-، ولن أُسهب في هذا الأمر حيث إني سبق أن قمت بكتابة مقال كامل عن تلك المسألة بعنوان (التسوق الطبي وزراعة الوهم)، 2- سهولة الوصول للمعلومة: من خلال محركات البحث أو محركات الذكاء الاصطناعي، التي أظهرت الفارق الكبير في الحصول على الإجابات باختلاف (السائل والسؤال)، فمن أهم أسباب الحصول على إجابات دقيقة وصحيحة هو مَن السائل (متخصص أم لا)، وما هو السؤال الصحيح (دقة صياغة السؤال، التي غالباً يجيدها المتخصص بالمجال).

وللوصول إلى حلول منطقية لا بد من الإجابة على السؤال التالي: ما هي المعادلة التي تزن ما بين ديمقراطية المعلومات وإتاحتها للجميع، وما بين نخبويتها وحكرها على المتخصصين؟

في ما يخص الوصول الى المعلومات من قبل التقنيات، فلا بد من نشر الوعي المجتمعي بضرورة اتباع آراء المتخصصين (ليس فقط في الطب بل في جميع مجريات الحياة) فلا بد من تركيز الجهود في إيجاد الطبيب المناسب وليس في منافسة الأطباء علمياً، أما في جانب زراعة الوهم وغزارة المحتوى الإعلامي الطبي فلا يخفى على الجميع إيجابية التواجد الإعلامي والتسويقي في وسائل التواصل الاجتماعي بصفة عامة، والتي تعطي الممارس الصحي الحق كغيره من أصحاب المهن والتخصصات الأخرى في إظهار مهاراته وإمكانياته العلمية والعملية، بالإضافة إلى المسؤولية المجتمعية من خلال توعية المتلقين، أسوةً بالمتخصصين بالمالية وأسواق المال، أو العقار، أو السفر والسياحة، أو قطاع التغذية والطهي، لكن لا بد من الموازنة بين التفريط والإفراط لتحقيق النتيجة المطلوبة، للوصول الى منطقة وسطى بين (عدم الوعي، وزراعة الوهم) وهي الوعي.

أخبار ذات صلة

 

ومن أجل الاستفادة من التجارب السابقة لا بد من النظر الى ما قامت به بعض الدول وكيفية انعكاس ذلك على سلوك المجتمع، فقد قامت بعض الدول كبريطانيا وكندا بوضع تنظيم واضح يحدد أهداف الظهور الإعلامي، بالإضافة إلى تحديد القيم الأساسية ومعاييرها التي ينبغي المحافظة عليها من قبل الشخص، كأخلاقيات المهنة وسرية المعلومات، وتحري الدقة والتخصصية، وإبداء المعلومات العامة دون التعمق لتشتيت المتلقي، الالتزام بالذوق العام في الطرح، الإفصاح عن تعارض المصالح، الحصول على فسح للمحتوى، الامتناع عن تقديم نصائح طبية شخصية، عدم إثارة الهلع ونشر معلومات مضللة لأغراض ترويجية، منع الاستعانة باستشهادات المراجعين... إلخ.

وبالنظر إلى التشريعات الناجحة التي تبنتها المملكة لحوكمة التصريحات الإعلامية في قطاع العقار والأسواق المالية والتسويق التجاري، نجد أننا بحاجة إلى الاستفادة من تلك التجارب، عن طريق توثيق حسابات الممارسين الصحيين التوعوية من خلال منصة تؤهلهم وتخولهم اعتماد المحتوى بطريقة تتواءم مع معايير الظهور المقترحة سلفاً.

وقد تكون إحدى الطرق لتطبيق ذلك من خلال التالي، أولا: الاستفادة من المجهودات العظيمة التي تقوم بها الهيئة العامة لتنظيم الإعلام من تسجيل وترخيص الممارسين للمهنة الإعلامية. ثانياً: إشراك الجهة المتخصصة لوضع الضوابط التخصصية بالمجال الصحي (، هيئة الصحة العامة، هيئة الغذاء والدواء، هيئة التخصصات الصحية)، ثالثاً: استحداث منصة توثيق بمجهود مشترك يتم من خلالها توثيق حسابات الإعلاميين من الممارسين الصحيين، رابعاً: استحداث لوائح ومعايير للمشاركة الإعلامية وطريقة لاعتماد المحتوى.

ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة عكاظ ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من عكاظ ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.

قد تقرأ أيضا