عند الحديث عن عالم الرياضات الإلكترونية، غالباً ما ترسم المخيلة صورة نمطية للاعب شاب، في أوائل العشرينيات من عمره، منهمك في شاشة الكمبيوتر، يرتدي سماعات الرأس، ويقضي ساعات طويلة في عوالم افتراضية. لكن هذه الصورة لم تعد الوحيدة التي تمثل هذا المجتمع المتنامي. ففي قلب السعودية، يبرز اسم يكسر هذه القوالب الجاهزة ويثبت أن الشغف والعزيمة لا تعترفان بالسن أو الظروف. إنه وسام الغامدي، المعروف في عالم الألعاب بلقب «أبو عمر»، لاعب محترف في الألعاب القتالية، وأب لثلاثة أطفال، يبلغ من العمر 38 عاماً، ويوازن بنجاح بين مسيرته المهنية بدوام كامل وشغفه باللعب الاحترافي.
قبل ثلاث سنوات فقط، دخل أبو عمر عالم الرياضات الإلكترونية، ليثبت خلال فترة وجيزة أن العمر مجرد رقم أمام الطموح والإصرار. وانضم إلى نادي Falcons، وبدأ رحلته الاحترافية في ساحة المنافسة عبر لعبة «Street Fighter 5» ضمن بطولة الأندية. كانت هذه هي الشرارة التي حولت مجرد هواية إلى مسار احترافي حافل بالإنجازات.
لم يمض وقت طويل قبل أن يُتوّج أبو عمر بلقب الدوري السعودي للألعاب القتالية في الموسم الصفري، والذي كان بمثابة أول بطولة رسمية للعبة «Street Fighter 6» في المملكة. لم يكن هذا اللقب نهاية المطاف، بل تأكيداً على جدارته، حيث عاد ليحصد لقب البطولة الكبرى الأولى للموسم ذاته. كما مثل نادي Thevicious سابقاً، محققاً إنجازات مهمة في بطولات محلية وعالمية. من أبرز هذه الإنجازات كان تمثيله للمنتخب السعودي في بطولة Global Esports Games 2023، حيث حقق المركز الثالث على مستوى العالم، وخاض تجربة فريدة في مواجهة لاعبين عالميين بارزين خلال موسم الجيمرز في الرياض، الذي يعد واحداً من أكبر فعاليات الألعاب والرياضات الإلكترونية على مستوى العالم.
ولكن أبرز محطات مسيرته الاحترافية، والتي شكلت علامة فارقة في رحلته، كانت مع لعبة «Fatal Fury». في هذه اللعبة، أثبت أبو عمر مهاراته الاستثنائية، حيث حصد أولى بطولاتها في الدوري السعودي. ولم يكن هذا الفوز المذهل مجرد لقب آخر يضاف إلى سجله المميز، بل كان بوابة نحو فرصة عظيمة. فبعد أن فاز ببطولة نظمها نادي Falcons، لم يتردد النادي في تقديم عرض له، ليوقع أبو عمر عقداً احترافياً مع Falcons كلاعب بارز في لعبة «Fatal Fury»، مؤكداً بذلك مكانته كأحد ألمع النجوم الصاعدين في مشهد الرياضات الإلكترونية السعودية.
وعندما يُسأل عن سر استمراره وتألقه رغم تعدد مسؤولياته، يجيب بثقة وابتسامة تعكس عمق التجربة: «تنظيم الوقت».
وراء هذه العبارة البسيطة تختبئ معادلة يومية، يتقن موازنتها بين كونه أباً لثلاثة أطفال وزوجاً وموظفاً بدوام كامل، وفي الوقت ذاته لاعباً محترفاً ينافس على أعلى المستويات.
ويقول أبو عمر: «أحرص على تخصيص وقت كافٍ لأطفالي خلال النهار، وبمجرد أن يخلدوا للنوم، أبدأ تدريباتي. ويمثل التوازن بين مسؤولياتي الأسرية والمهنية وشغفي باللعب التحدي الأكبر الذي أواجهه يومياً. أنا ممتن لزوجتي أيضاً، فلولا دعمها وتفهمها، خاصة حين تتطلب البطولات السفر خارج المملكة، لما تمكنت من تحقيق كل هذا. هي من سهّلت لي الطريق ومنحتني المساحة لأمارس شغفي. وكما يقال: وراء كل رجلٍ عظيم امرأة».
ويُعرب أبو عمر عن امتنانه العميق لكل من سانده في هذه الرحلة. كما يوجه الشكر لأسرته التي كانت الداعم الأول، ولمجتمع الرياضات الإلكترونية السعودي الذي احتضن موهبته، ولناديه Falcons الذي آمن بقدراته، وللاتحاد السعودي للرياضات الإلكترونية الذي أتاح للاعبين الموهوبين فرصة الظهور والتميز.
وفي عالم الألعاب، ينظر أبو عمر إلى اللاعب الصيني الشهير «تشاو هاي» كقدوة، ليس فقط لبراعته في اللعب وقدرته على السيطرة على ساحات المنافسة، بل لأنه تخطى الخامسة والثلاثين من عمره ولا يزال في قمة أدائه، ينافس الأجيال الشابة بقوة.
ويتحدث الغامدي: «تشاو هاي هو محفز كبير لي ولكل من هم في مثل مرحلتي العمرية. فهو يثبت أن الخبرة قد تتفوق على حيوية الشباب حين تقترن بالإصرار، وأن الشغف الحقيقي لا يتلاشى مع مرور السنين».
وبصفته من عشاق الألعاب القتالية، يجد أبو عمر في شخصية «كاين» تجسيداً لأسلوبه المفضل في اللعب، لما تتميز به من توازن بين القوة والسرعة والذكاء التكتيكي. أما من حيث المنافسة، فيجد اللاعب الباكستاني أحمد شاهد، المعروف بلقب «Ammo»، أحد أصعب الخصوم الذين واجههم في عالم الألعاب والرياضات الإلكترونية.
وعلى صعيد العائلة، يؤكد أبو عمر التزامه بدعم أبنائه بكل قوة، أياً كان المسار الذي يختارونه، سواء في الرياضات الإلكترونية أو خارجها. ويقول إن حلمه الأكبر وطموحه الذي يدفعه للاستمرار في المنافسة هو أن يلعب يوماً ما ضد أبنائه في بطولة رسمية، ليصبح الخصم الشرس والقدوة الملهمة في آن واحد.
تعكس قصة أبو عمر تحولاً كبيراً ومذهلاً يشهده قطاع الرياضات الإلكترونية في المملكة العربية السعودية. فبعد أن كان اللاعبون السعوديون يضطرون للسفر خارج البلاد للمشاركة في البطولات الكبرى، أصبحت المملكة اليوم وجهة عالمية لهذه الفعاليات الضخمة.
ويضيف: «كنا نحلم بالمشاركة في البطولات الدولية، وأصبحنا اليوم من يستضيفها. إنها نقلة نوعية في مستوى التنظيم وجودة المنافسات وحجم الجوائز».
وبمشاركة أكثر من 2800 لاعب ولاعبة، يمثل الدوري السعودي للرياضات الإلكترونية منصة شاملة تعزز التنوع وتكسر الصور النمطية، ما يتيح الفرصة للمواهب من جميع الخلفيات والأعمار. ومع وجود أكثر من 23.5 مليون لاعب في المملكة، وقطاع حجمه المليار دولار، فإن القصة الحقيقية لهذا القطاع لا تُروى فقط من خلال الجوائز الضخمة أو الأرقام القياسية، بل من خلال قصص ملهمة مثل قصة أبو عمر. إنه الرجل الذي لم يكسر القيود العمرية فحسب، بل رسم ملامح جديدة لمفهوم البطولة، وأثبت أن الشغف لا يعرف حدوداً، وأن الأب يمكن أن يكون خصماً شرساً في ساحة المنافسة، وبطلاً حقيقياً في أعين أبنائه، ومثالاً يحتذى به لكل من يطمح لتحقيق أحلامه مهما كانت الظروف.
أخبار ذات صلة
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة عكاظ ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من عكاظ ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.