عرب وعالم / السعودية / المواطن

العمل من المقهى.. تواكب نمط الحياة المتسارع

  • 1/2
  • 2/2

لم يكن العمل من المقاهي ظاهرة طارئة في مشهد الحضرية، بل هو تطوّر طبيعي لصيغة اجتماعية عرفتها المدينة منذ بدايات نهضتها، حين كانت المقاهي تُشكّل فضاءً للتلاقي، وتبادل الأفكار، وتسيير الأعمال بطرق بدائية، ففي زوايا بعض المقاهي القديمة، كُتبت ، ودار نقاش، وتحرّكت عجلة الحياة اليومية بين فنجان قهوة ودفتر ملاحظات، قبل أن تظهر المكاتب الحديثة وتنتظم بيئة العمل بشكلها الرسمي.

ثوب رقمي عصري

واليوم تعود هذه الصيغة بثوب رقمي عصري، في قلب الرياض المتجددة، حيث يتقاطع التاريخ المحلي مع التقنية، ويُعاد تعريف فضاء العمل بما يتماشى مع متطلبات الحاضر وسرعة المستقبل، لم يعد المكتب بفكرته الماضية، ولا الجلوس خلف الطاولة الصورة الوحيدة للعمل، ففي عصر تتسارع فيه خطوات التقنية، وتتشكل فيه أنماط الحياة من جديد، أصبح الإنسان أكثر وعيًا بتفاصيل يومه، وأكثر قدرة على صناعة توازنه الخاص بين الإنجاز والراحة.

قد يهمّك أيضاً

ومع صعود الأدوات الذكية إلى صدارة المشهد المهني، أصبحت الأجهزة المحمولة أشبه بمكاتب متنقلة، فلم تعد الحواسيب والهواتف أدوات مساعدة، بل أصبحت منصات شاملة تُدار من خلالها فرق العمل، وتُبنى الإستراتيجيات، وتُعقد الاجتماعات، وتُنجز المهام من أي مكان يوفّر اتصالًا، وهدوءًا، وإلهامًا، هذا التحوّل لم يكن ترفًا تقنيًا، بل استجابة واقعية لمتطلبات عصر سريع، لا يقبل التأخير، ولا يرتضي الجمود.

وفي مدينة تنبض بالحياة مثل الرياض، تحوّلت المقاهي إلى منصات جاذبة للعمل المرن، تُزاوج بين سكون اللحظة وحيوية الإنجاز، وبين خصوصية التفكير وتنوع المشهد، هذا التحوّل ليس مجرد استجابة ظرفية، بل تطور حضري يتناغم مع إيقاع العصر، ويحمل في طيّاته جذورًا من ثقافة المدينة، ورؤية تنموية تُرسّخ مكانة الرياض بصفتها عاصمة للحياة العصرية.
لم يجد بعض العاملين في القطاع الحكومي، مثل مصعب مقبل، خيارًا أفضل من العمل في المقاهي، حيث وصف الأجواء بأنها تمنحه راحة فريدة أثناء أداء مهامه، إذ إن الهدوء المعتدل، وروائح القهوة، وحركة الناس المعتدلة تخلق بيئة تحفيزية تساعده على الإنجاز وتنظيم الوقت بمرونة أكبر، مشيرًا إلى أن هذا التحول أصبح جزءًا لا يتجزأ من روتينه المهني اليومي.
أما في القطاع الخاص، فقد أصبح العمل من المقاهي جزءًا من اليوم المعتاد لكثيرين، من بينهم أمجد مشافي، الذي يوضح كيف يمنحه هذا النمط الحرية والطاقة والإلهام، ويضيف أن التنوع في الناس والأفكار داخل المقهى يعزز تفكيره الإبداعي ويُسهم في حل المشكلات، مشيرًا إلى أن المقهى يتحول أحيانًا إلى مساحة تعاون غير رسمية لكنها فعالة جدًا، ويعدّه تجربة حياة مهنية جديدة وليس مجرد مكان للعمل.

ويقول مسؤول علاقات إحدى سلاسل المقاهي في الرياض أكثم صالح، إن المقاهي اليوم باتت أكثر من مجرد أماكن لتناول القهوة، فهي توفر أجواء مريحة تساعد الزوار على التركيز والإنجاز، مع تجهيزات متكاملة تجعل من المكان بيئة ملائمة للعمل واللقاءات، مما جعل هذه الأماكن تؤدي دورًا أساسيًا في حياة الكثيرين.

نموذج حضري متطور

ولا تعيد الرياض، بهذا التغيير فقط تعريف فضاء العمل، بل تكرّس نموذجًا حضريًا متطورًا، يحتضن جميع أنماط الحياة الحديثة، فالعمل من المقهى لم يعد خيارًا عابرًا، بل أصبح وجهًا جديدًا من أوجه المدن العصرية، يعكس تنوّع سكانها، وحيوية اقتصادها، ومرونة بنيتها الاجتماعية، فبجدرانها الأنيقة، وإنارتها المدروسة، وطاولاتها المصممة بعناية، أصبحت المقاهي في الرياض وجهةً للمبدعين، وروّاد الأعمال، وأشبه “بالمكاتب العصرية بلا جدران”، تسمح بتعدد الهويات المهنية في مكان واحد، دون أن تتداخل أو تتنافر.

ولم يكن هذا التوجّه بعيدًا عن المؤسسات الثقافية، بل جاءت مبادرات نوعية لتعزيز حضوره، مثل مبادرة “الشريك الأدبي” التي أطلقتها هيئة الأدب والنشر والترجمة، التي رأت في المقاهي فضاءً ثقافيًا مفتوحًا، ورافدًا لتمكين الكتّاب والمترجمين والقرّاء من اللقاء في بيئة حيّة، تتجاوز الصيغ التقليدية للفعاليات، وبهذا، أصبح المقهى ملتقى ثقافة وإنتاجٍ في آنٍ معًا، حيث تمتزج الحروف بالمهام، وتلتقي القهوة الفكرة.

هذا التحول لم يكن فجائيًا، بل مر بمراحل تمهيدية شملت صعود العمل الحر، ونمو الاقتصاد الإبداعي، وارتفاع الاعتماد على التقنية، ومع جائحة ، تعزز هذا الاتجاه بقوة، حين خرج العمل من المكاتب الرسمية إلى أي مساحة ممكنة تضمن استمراريته، ليكتشف كثيرون أن الإنجاز لا يتطلب جدرانًا عالية، بل بيئة ملهمة ومساحة ذهنية حرة.

وهكذا، بين كوب قهوة ونظرة عبر الزجاج، وبين جهاز صغير ونافذة على السماء، يُعاد رسم المشهد المهني، ليس من داخل الأبراج والمكاتب فقط، بل من قلب الشوارع النابضة بالحياة، ومن المقاهي التي باتت مرآة حقيقية لعقل الإنسان المستقبلي.

ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة المواطن ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من المواطن ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.

قد تقرأ أيضا