على مدى أكثر من ستة عقود، خاض العالم العربي سلسلة من المغامرات السياسية والعسكرية التي لم تجلب سوى مزيد من الخسائر، وانكماش الرقعة الجغرافية، وتنازلٍ تدريجي عن ثوابت كانت في يوم من الأيام خطوطاً حمراء. وتكمن المأساة الكبرى في أن الشعوب هي التي تدفع ثمن هذه القرارات، بينما ينجو صانع القرار غالباً من تبعات مغامرته، ويستمر في موقعه أو يجد لنفسه مخرجاً مشرّفاً.
إن ما ينقص العالم العربي ليس كثرة السياسيين، فهؤلاء موجودون في كل زاوية، بل هو غياب القادة الحقيقيين. القائد الحق هو من يضع مصلحة شعبه ووطنه فوق كل اعتبار، مع إدراكه الواقعي لأدواته وقدراته، وفهمه العميق للظروف الدولية والإقليمية المحيطة، ومعرفته بموقع بلاده في ميزان القوى. مثل هذا القائد يختار خطواته بحذر، ويتحرك في الاتجاه الآمن، أو ينتظر اللحظة المناسبة حين تميل الظروف لصالحه، بدلاً من الزج بشعبه في معركة خاسرة سلفاً.
في عالم السياسة والعلاقات الدولية، هناك قاعدة بديهية: الطرف الأضعف لا يستطيع فرض إرادته على الطرف الأقوى ما لم يمتلك الأدوات والقدرات اللازمة لذلك. تجاهل هذه الحقيقة يفتح الباب أمام كوارث جديدة، ويجعل الأوطان رهينة قرارات انفعالية أو شعارات فارغة من المضمون.
عندما نتأمل أطروحات قادة ما يُسمى بـ«الإسلام السياسي» وبعض بقايا اليسار العربي، نجد أنهم يعيشون في عالم موازٍ، يفتقر إلى الفهم الواقعي لموازين القوى، وإلى القدرة على قراءة التحولات الدولية قراءة عقلانية. هذه العقليات تتعامل مع السياسة وكأنها خطب حماسية أو معارك رمزية، غير مدركة أن خصومها يخططون بدقة ويعملون وفق استراتيجيات طويلة المدى.
والنتيجة الحتمية لهذه الرؤية القاصرة هي استمرار الدمار، وتبديد الجهود التي كان يمكن أن تُوظَّف في خدمة القضايا العربية العادلة بأساليب أكثر فاعلية وواقعية. لقد آن الأوان لأن يستخلص العالم العربي الدرس الأكبر من تاريخه المعاصر: أن الانتصار لا يتحقق بالشعارات ولا بالمغامرات، بل ببناء القوة الحقيقية، وتحقيق التنمية الداخلية، وصياغة استراتيجية عقلانية تستند إلى قراءة واعية للواقع الدولي.
أخبار ذات صلة
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة عكاظ ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من عكاظ ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.