عرب وعالم / السعودية / عكاظ

حين تتحوّل الأرض من مخزن للثروة إلى رافعة للعمران

في ضوء الإعلان الأخير الذي كشف فيه البلديات والإسكان ماجد الحقيل عن النطاقات الجغرافية لرسوم الأراضي البيضاء في مدينة ، بدا واضحاً أن مرحلة جديدة من التنظيم العقاري قد بدأت. هذا التطوير لا يُقرأ بوصفه خبراً عابراً، بل كخطوة إستراتيجية تنموية تستهدف تحويل الأرض من مجرد مخزن للثروة إلى رافعة حقيقية للعمران.

على مدى سنوات طويلة، ظلّت الأراضي البيضاء في قلب المدن الكبرى مجمّدة بلا تطوير، ما أدى إلى ارتفاع أسعار الأراضي وتعطيل عجلة الإسكان. ومع الرسوم بصيغتها الجديدة، يتقدّم النظام خطوة نوعية لتصحيح مسار السوق وإعادة التوازن بين المصلحة الفردية والاحتياج العام.

وقد جاءت الآلية الجديدة واضحة ومرتبة بحسب الأولويات العمرانية: 10% للأراضي ذات الأولوية القصوى، و7.5% للأراضي ذات الأولوية العالية، و5% للمتوسطة، و2.5% للمنخفضة، في حين تُعفى الأراضي الواقعة خارج نطاق الأولويات من الرسم، مع احتسابها ضمن مجموع الأراضي البيضاء المملوكة داخل النطاق الحضري.

هذا التفصيل يُبرز أن الرسوم ليست عبئاً مالياً بقدر ما هي أداة تحفيز حضري. كلما كانت الأرض في موقع أشد تأثيراً على التنمية العمرانية، ارتفعت نسبة الرسم، بما يدفع المالك إلى اتخاذ قرار عملي يتمثل في: إما أن يُطوّر أرضه، أو يتحمّل تكلفة تعطيلها عامًا بعد عام.

كما تتجلى بوضوح إيجابية القرار في أنه يُوازن بين الملكية الخاصة والمصلحة العامة. فالمالك يحتفظ بخياره، لكنه يُدرك أن الاحتفاظ غير المنتج لم يعد بلا تكلفة. وفي المقابل، يستفيد المجتمع من تحريك عجلة التطوير العمراني وزيادة المعروض العقاري، وهو ما ينعكس مباشرة على قدرة الأسر على الحصول على سكن ملائم بأسعار أكثر عدلاً.

ومن زاوية أخرى، يمكن النظر إلى القرار باعتباره فرصة لا تهديداً. فالملاك والمطورون أمامهم مجال واسع للاستفادة من الجانب المضيء لهذه الخطوة: الدخول في شراكات تطويرية، أو إعادة تخطيط الأراضي بما يحقق قيمة مضافة، أو حتى بيعها لمستثمر يرغب في تفعيلها. الرسوم، في نهاية المطاف، ليست اقتطاعاً من الثروة بقدر ما هي دعوة لتحويلها إلى استثمار منتج يدرّ عوائد مستدامة، بدل أن تبقى أصولاً صامتة لا تنمو ولا تساهم في حركة الاقتصاد الوطني.

كما أن من الإيجابيات اللافتة في هذا النظام أنه يعيد رسم العلاقة بين السوق العقاري والتمويل البنكي. فالأراضي المطوّرة أقدر على جذب التمويل والاستثمار، بعكس الأراضي الخام المجمّدة التي لا تحقق سوى قيمة دفترية جامدة. وتسهم الرسوم في تحقيق عدالة بين الملاك، إذ لا يعقل أن يبقى من يحتفظ بأرض في قلب المدينة في وضع أفضل ممن استثمر في بناء أو تطوير يخدم الناس. وإضافة إلى ذلك، فإن النظام الجديد يخلق فرصًا لشركات المقاولات والاستشارات والتطوير العمراني، مما ينعكس على تحريك قطاعات اقتصادية مرتبطة بالعقار، ويدعم بالتالي نمو الناتج المحلي غير النفطي.

ولا يمكن قراءة هذه الخطوة بمعزل عن المسار الإستراتيجي الأوسع الذي تقوده الدولة في إطار رؤية 2030. فالمستهدف النهائي ليس مجرد تحريك سوق العقار، بل تحقيق التوازن الحضري الذي يتيح لكل مواطن فرصة السكن الملائم. إن الرسوم هنا ليست غاية بحد ذاتها، بل وسيلة لضمان أن تتحوّل المدن إلى فضاءات أكثر عدلاً في توزيع الفرص العمرانية، وأكثر قدرة على استيعاب تطلعات المجتمع.

إن الرسالة التي يرسلها النظام واضحة: الأرض البيضاء لم تعد بيضاء. إما أن تتحوّل إلى عمران حقيقي، أو تتحمل عبء تعطيلها.

أخبار ذات صلة

 

ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة عكاظ ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من عكاظ ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.

قد تقرأ أيضا