13 سبتمبر 2025, 6:46 مساءً
إن المجتمعات لا تبنى في فراغ، وإنما تقوم على سواعد أجيال متعاقبة تبذل الوقت والجهد والعرق والفكر في سبيل نهضتها وتقدمها. ومن هنا يبرز دور كبار السن الذين قدموا خلال حياتهم أفضل ما لديهم من خبرة وعمل وتضحية، حتى أصبحت آثارهم واضحة في كل زاوية من زوايا الحياة. إنّ تقدير هؤلاء الكبار ليس أمرا ثانويا من الأجيال اللاحقة، بل هو واجب إنساني وأخلاقي، تفرضه القيم الدينية والمبادئ الاجتماعية والضمير الحي.
لقد عمل كبار السن على مدار سنين طويلة في ميادين متعددة: فمنهم المعلم الذي أنار طريق المعرفة لآلاف الطلاب، ومنهم الطبيب الذي سهر الليالي لعلاج المرضى، ومنهم شيخ ونائب القبيلة الذي بذل الجهد للإصلاح وتأليف قلوب أبناء القبيلة، ومنهم الفلاح الذي زرع الأرض وأطعم الناس، ومنهم الجندي الذي وقف مدافعا عن وطنه، ومنهم الأب والأم اللذان قدما أغلى سنوات العمر في التربية والرعاية والاحتضان. إن هذه المجالات المختلفة من العمل لم تكن مجرد مهن عابرة، بل كانت أساسا لبناء حاضرنا الذي نعيشه اليوم، فهي البذور التي أثمرت لنا تعليما متقدما، وخدمات متطورة، ومجتمعا أكثر استقرار.
ولذلك، فإن الاعتراف بفضل كبار السن والثناء على ما قاموا به يكتسب أهمية كبرى، ليس فقط من باب رد الجميل، وإنما لما له من أثر نفسي وصحي عليهم. فالكلمة الطيبة، حين تُقال لكبير في السبعين أو الثمانين من عمره، تُعيد له إحساسه بقيمة ما بذله، وتشعره أن عمره لم يذهب هدراً، وأن جهوده ما زالت تُثمر في حياة الأجيال الجديدة. وقد أثبتت الدراسات النفسية أن الدعم المعنوي والاعتراف بالفضل من أهم العوامل التي تعزز الصحة النفسية والجسدية لدى كبار السن، إذ يقلل من شعورهم بالعزلة ويزيد من طاقاتهم الإيجابية.
إنّ كبار السن يحتاجون إلى التقدير أكثر مما يحتاجون إلى المال أو الهدايا، فهم في هذه المرحلة من العمر يبحثون عن معنى ما قدموه، ويريدون أن يروا انعكاس جهدهم في احترام المجتمع لهم. كلمة شكر صادقة، أو عبارة تقدير بسيطة، قادرة أن تدخل البهجة إلى قلوبهم، وتمنحهم راحة داخلية ترفع من معنوياتهم، بل وتنعكس على صحتهم الجسدية. فحين يشعر الكبير أن المجتمع لا ينسى عطاءه، يقل لديه التوتر والقلق، وتزداد لديه الرغبة في الحياة والعطاء بأمور تتناسب معه كالنصيحة وتقديم الخبرة للآخرين.
وإذا تأملنا في تاريخ الأمم، وجدنا أن المجتمعات التي ترفع من شأن كبارها وتضعهم في مكانة الاحترام والتقدير، هي المجتمعات الأكثر تماسكا واستقرارا.
بفضل الله في مجتمعنا السعودي على سبيل المثال، يُعتبر احترام كبار السن قيمة أساسية، حيث يُستشار الكبير في القرارات، ويكرم في المناسبات، ويُحاط بمظاهر التقدير أينما ذهب، ويجلس في صدر المجلس في المناسبات. وهذا الأمر يخلق شعورا متبادلا بالولاء والانتماء، ويجعل الأجيال الجديدة أكثر التزاما بالعطاء أسوة بأسلافهم.
احترام كبار السن ليس واجبا اجتماعيا فقط، بل هو واجب ديني وأخلاقي، فقد حثّ ديننا الإسلامي الحنيف على توقير الكبير والاعتراف بفضله، وربطت بين برّ الوالدين وتقدير كبار السن وبين رضا الله عز وجل.
من يتأمل هذه التوجيهات يدرك أن الاعتراف بعطاء كبار السن ليس مجرد سلوك مستحب، بل هو جزء من منظومة القيم التي تحفظ تماسك المجتمع وتحقق له الاستقرار.
ومن الواجب علينا – أفرادا ومؤسسات – أن نبتكر مبادرات مجتمعية للاحتفاء بكبار السن، مثل تنظيم أيام لتكريمهم في المدارس والجامعات، وإقامة ندوات يروون فيها قصصهم وتجاربهم ليستفيد منها الشباب، إضافة إلى زيارتهم في منازلهم ومساندتهم في حياتهم اليومية. مثل هذه المبادرات ترسخ ثقافة الوفاء، وتخلق جسرا من التواصل بين الأجيال، بحيث يشعر الكبير أن المجتمع ما زال بحاجة إلى خبراته، ويستشعر الصغير قيمة التضحية والعطاء.
وفي النهاية، يبقى القول إن كبار السن هم تاريخ المجتمع الجميل وحكمته المتراكمة، وأن شكرهم وتقديرهم ليس فقط لمصلحتهم الشخصية، بل هو استثمار في قيم الوفاء والترابط الإنساني التي تحافظ على المجتمع من التفتت. وحين نُدرك أن لحظة اعتراف بفضلهم تساوي الكثير لديهم، ندرك تماما أن تقدير جهودهم واجب لا يقبل التأجيل ولا التهاون. ما هي الفائدة من الثناء على كبير سن قد أصبح في قبره!!
إن الكلمة الطيبة والعبارة الصادقة هي أقل ما نقدمه لهؤلاء الذين بنوا بأيديهم ما ننعم به اليوم، فلتكن ثقافة الشكر والتقدير عادة يومية مع كل كبير سن نقابله، حتى نبقى أوفياء لتاريخهم، ونزرع في نفوس الأجيال القادمة معنى الشكر والعرفان.
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة صحيفة سبق الإلكترونية ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من صحيفة سبق الإلكترونية ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.