الارشيف / فيديو / صحيفة اليوم

واجب إنقاذ (مدر المدرجات التراثية) من الزوال الأبدي

@DrAlghamdiMH
في بداية هذا المقال أود استحضار عبارة شاملة عميقة «وهي عادة كل تصريحات سموه»، لسموّ سيدي ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز «حفظه الله» عندما قال معقباً على اتهام المملكة العربية بممارسة تحسين صورتها عبر الرياضة : «صفه كما تشاء، إذا كان الاستثمار في الرياضة سيضيف 1% للناتج المحلي الإجمالي فسوف نستمر في ذلك».. وهذه الرسالة العظيمة للعالم أجمع تؤكد بأن المملكة العربية السعودية لا تلتفت للتفاهات ولا للحملات المغرضة ولا للأكاذيب والإشاعات بل وتدحضها فعلياً بالأرقام دائماً.
ولا أعلم حقيقة ماذا تفعل كل انطلاقة لموسم في بعض الأصوات من العالم العربي الذين يصرّ عند كل انطلاقة للموسم افتعال الجدل واثارة المشاكل، وبث الحملات الإعلامية المغرضة، والسعي من أجل تحريض وتأجيج الرأي العام ضد هذا الموسم! والمتتبع لهذه الظاهرة المتكررة سنوياً تقريباً، مع اختلاف المزاعم كل عام، يدرك أن الهدف الرئيسي ليس النقد البناء أو النقد الرامي إلى التطوير، بل يجد بأن هذه الحملات مجرد حرب مستعرة على كل ما يتعلق بالمملكة العربية السعودية من مشاريع تنموية ضخمة صُدم بها العالم.. وبقدرات السعوديين في تنفيذها على أكمل وجه.. مما أثار حسد بعض من كانوا يظنون أنهم بالفعل سبب وحيد لنجاح المملكة في زمن معين.
فمثلاً على ذلك، يُصرّ بعض الإخوة العرب على اجترار الماضي وكونهم من علّمنا وطوّرنا، ولاننكر ذلك طبعاً في زمن ما، لكنه من المعيب تداول هذا العمل الذي من المفترض أن يكون إنسانياً قبل كل شيء، على أنه تفضل منهم رغم أنه مدفوع الأجر، وكما كان فرصة لنا كسعوديين كان فرصة للآخرين للتكسب والانتفاع والارتقاء، وحاشا لله أن يكون هذا الاستحضار للمنّة - كما يفعلون هم - لكنه يأتي رداً على ديباجاتهم المتكررة حول تعليمنا، وتذكيراً لهم بأن زكاة العلم نشره.
الحقيقة أن هذه الفئة الحاقدة تتكاثر فقط في وسائل الإعلام التقليدي أوالجديد، مما يؤكد أنها مجرد حملات مدفوعة لأسباب أكبر من مجرد إبداء الرأي، ومع ذلك تفشل هذه الحملات كل مرة في التأثير على نجاح الموسم الذي يكتظ عاماً بعد عام بالزوار والمنبهرين به من أنحاء العالم.
وما موسم الرياض إلا أحد مشاريع الترفيه، الترفيه الذي يعتبر جزءً من مشاريع المملكة العربية السعودية الضخمة التي تواكب تطلعات الإنسان وحاجاته، ونود التذكير أنه ليس المشروع الوحيد الذي سيفجر غيظ الحساد، بل إنه فقط البداية.
في هذا المقال، وبهذا العنوان أسعى لتأكيد أننا نعيش غفلة عن أهمية المدرجات في سفوح الجبال المطيرة في مناطقنا الجنوبية من المملكة حفظها الله. وجودها يرتكز على ثلاث محاور رئيسية. المحور الأول كونها أوعية لحفظ تربة الجبال النادرة. الثاني: كونها أوعية لصيد وتجميع مياه الأمطار وخزنها في هذه التربة. المحور الثالث: كونها مهدا اصطناعيا لزراعة المحاصيل الزراعية على سفوح الجبال شديدة الانحدار.
n تلك المحاور الثلاثة أساس بناء المدرجات الكنتورية. وهناك محور رابع يتشكل أمامنا كنتيجة. حيث أصبحت تراثا مهاريا إنسانيا عالمي الشأن. فهي تمثل إنجازا بيئيا، ثقافيا، اجتماعيا، تاريخيا. بوظيفة مائية وزراعية لن نستطيع تكرار بنائها في ظل تجاهلها ودورها ووظيفتها.
لهذه المدرجات أبعاد متعددة، ولها أكثر من قراءة. تفرض علينا الحفاظ عيلها كتراث مهاري يعول عليه لإنقاذ مستقبل مناطقه من العطش. هذه المدرجات أصبحت هوية تاريخية تراثية للأجيال التي مضت. أيضا ستعزز هوية الأجيال القادمة كدرس وعبرة، لجهد ولفكر آباء لم يعرفوا المستحيل. هذه المدرجات تحمل رسائل بعضها لم نستوعبه بعد. وقد تأتي أجيالنا القادمة لتكتشف رسائل عجزنا عن الوصول إليها في وقتنا الحاضر.
n ضياع (مدر) هذه المدرجات هو ضياع للحياة في مناطقها. ويأتي السؤال كيف يضيع (مدر) هذه المدرجات التراثية التاريخية، ولماذا؟ لضياعها أكثر من طريقة، وأكثر من وسيلة. أجد نفسي مجبرا على ذكر طرق ضياعها رغم أن هدفي الأول هو التنويه إلى أهمية هذه التربة النادرة لتحقيق الغاية التي انشدها وهو العمل على إنقاذها من الزوال الأبدي.
هذه المدرجات تؤكد أسباب وجود حضارة الحجر التي سادت في مناطقنا المطيرة. فجميعها مبنية من الحجر. نقف حاليا عاجزين عن فهم أهدافها، وعن فهم دورها، وعن فهم وظيفتها. لذلك تتعرض للإهمال وبالتالي الضياع.
أجد أن هو أحد أهم أسباب ضياع هذه المدرجات وتهدمها. ونتيجة لذلك تضيع تربتها الثمينة. حيث تتجمع مياه الأمطار في هذه الأوعية، وفي غياب الصيانة تعمل هذه المياه المتجمعة على هدم حجارة هذه المدرجات، وكنتيجة بتم جرف تربتها وحملها مع الماء إلى الضياع الأبدي.
إن فقد (مدر) أي مدرج هو فقد نهائي لا يمكن تعويضه في هذه الجبال. ليس هذا فقط، لكن أيضا تعمل مياه الأمطار على جرف تربة الجبال خارج المدرجات في ظل الإهمال. ونتيجة لذلك تتعرى جذور الغطاء النباتي فيموت.
غياب التربة يعني غياب الماء عن جذور النباتات. أجد في ظل هذا الوضع أن أحد أسباب موت شجر العرعر الجماعي هو جرف التربة، وانكشاف الطبقات الصماء، وبالتالي زيادة سرعة جريان مياه الأمطار. هذا يعمل على جرف المزيد من التربة. نشاهد جزيئات التربة محمولة في السيول التي تجري بلونها الحنطي في طريقها الى الضياع الأبدي.
تربة مناطقنا المطيرة تربة طينية أشبه بالصلصال. هذا يعني أن تسرب المياه عبر حبيباتها قد يستغرق ساعات. هذا يتسبب في سرعة جريانها في حال غياب المدرجات الحجرية، هذا يعني أن تجمع المياه على سطح تربة المدرجات مع غياب الصيانة والاهتمام، يشكل بحيرة ماء سرعان ما تجد مياهها المتجمعة طريقها كـ(فيضانات)، لتشكل شلالات تسحب معها الحجر والمدر. فتتهدم المدرجات وتضيع التربة.
تكرار ذلك الفعل بنزول المطر لا يتوقف في ظل الإهمال. زيادة غزارة الأمطار يزيد من تهدم حجارة المدرجات وجرف (مدرها) الثمين، بجانب جرف تربة سفوح الجبال.
التجاهل القاتل لأهمية المدرجات يسود ويتعاظم، هذا يعني ضياع الحياة في هذه المناطق المطيرة الاستراتيجية على المدى الطويل. التصحر عنوان لا يكفي لوصف الحالة التي ستؤول إليها هذه المناطق المطيرة. ويستمر الحديث عن المطر وتحدياته بعنوان آخر.

ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة صحيفة اليوم ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من صحيفة اليوم ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.

قد تقرأ أيضا